أوجاع لا تحكى

المسكوت عنه في ملف التحرش بالأطفال

تحقيق للصحفي إبراهيم العبدلي

في مجتمع محافظ كالمجتمع الليبي، حيث يسود الصمت ويسيطر الخوف من الفضيحة على أي محاولة للمواجهة، تتحول جدران بيت العائلة، التي يُفترض أن تكون حصنًا يحمي براءة الطفولة، إلى مسرحٍ جرائم مروعة تُرتكب بحق الأطفال، وغالباً ما يكون الجناة من الأقارب، أولئك الذين يُفترض أن يكونوا ملاذًا آمنًا، لكنهم يصبحون مصدرًا للألم والخيانة.

هذا الواقع المؤلم يعكس خللًا في ثقافة التستر والخوف من الوصمة الاجتماعية، مما يدفع بالضحايا إلى صمتٍ قسري يحرمهم من العدالة والدعم النفسي.

سامر، طفل ليبي لم يتجاوز الخامسة من عمره، وقع ضحية لجريمة أليمة هزت كيان أسرته وأثرت بعمق على مسار حياته. هذه الجريمة لم تكن من غريب، بل جاءت من أقرب الناس إليه، ابن عمه المراهق، البالغ من العمر 14 عامًا.

القضية تكشف عن جانب مظلم من واقع مؤلم يتكرر بصمت في العديد من المجتمعات. هي جريمة تتعدى حدود الأذى الشخصي لتطرح أسئلة جوهرية تتعلق بحماية الأطفال من التحرش، ودور الأسرة والمجتمع في الوقاية، وكذلك المسؤولية القانونية في محاسبة المعتدين.

كيف يمكن للمجتمع أن يتحمل مسؤوليته تجاه هذه الجرائم؟ وكيف نضمن أن العدالة تحقق، وأن الضحايا يحصلون على الدعم اللازم للتعافي؟ قصة سامر هي دعوة صادقة للتفكير والعمل من أجل حماية الطفولة، تلك البراءة التي لا يجب أن تُنتهك.

تصرفات غريبة

لاحظت ام سامر التغيرات السلوكية غير المفهومة لدى ابنها ذو الخمسة أعوام، الذي يقوم بخلع ملابسه بشكل متكرر أمام أفراد أسرته، كما يقوم بتصرفات غريبة مثل اللعب بعضوه الذكري هذا السلوك لم يكن مألوفًا في طفولته البريئة، تقول الأم بحزن “حاولت في البداية معاقبته، لكن السلوك استمر وأصبح أشد غرابة، شعرت أن هناك أمرًا خطيرًا يحدث وراء هذا التصرف”.

محاولات للحل

قررت الأم تغيير أسلوبها من العقاب إلى الاحتواء والإنصات الهادئ، تضيف الأم: “كنت أعلم أن هناك سرًا يخفيه، وكان علي أن أتحلى بالصبر لجعله يشعر بالأمان، وبعد عدة محاولات، اعترف سامر أخيرًا بأن ما يحدث جاء نتيجة قضائه أوقات صباحاته في منزل الجدة، حيث كان يُترك مع ابن عمه المراهق البالغ من العمر 14 عامًا.

وبحسب ما رواه سامر لأمه، كان ابن عمه يغريه بالحلوى، ثم يتحرش به، مستخدمًا التهديد لإجباره على الصمت تقول الأم، “لقد انهارت مشاعري عندما سمعت هذا الاعتراف. كيف يمكن للطفل أن يعيش هذه التجربة المؤلمة دون أن نفهم ما يمر به”.

أم سامر، امرأة متعلمة وموظفة، كانت حياتها مستقرة قبل أن تتعرض لصدمة كبيرة إثر حادثة التحرش بابنها. هذه الحادثة أثرت بشكل عميق على صحتها النفسية، حيث أصبحت تعاني من عصبية مفرطة، قلة النوم، وزيادة في التوتر والقلق، إضافة إلى فقدان الثقة في الآخرين.

على الصعيد الاجتماعي، انعكست الأزمة على حياتها العملية، إذ تراجع أداؤها المهني بشكل ملحوظ بسبب كثرة الغياب. كما باتت تعيش في حالة خوف مفرط تمنع أبناءها من الاختلاط مع أطفال آخرين.

يرى الأخصائيون النفسيون أن هذه المخاوف قد تترك آثارًا سلبية على شخصية الأبناء في المستقبل، بما في ذلك تنامي مشاعر العدوانية والكراهية تجاه أسرة المعتدي، رغم عدم إدراك الأسرة المعتدية لحقيقة ما حدث، وفقًا لما ترويه أم سامر.

آثار سلبية

بدأت الآثار النفسية تظهر على الطفل بشكل واضح، أصبح يعاني من الخوف المستمر، والتبول اللاإرادي، وتجنب الحديث مع الآخرين.

قالت أم سامر “ابني لم يعد كما كان لم يعد يثق بأحد، وأصبح عدوانيًا أحيانًا أو منطويًا في أحيان أخرى، أشعر أن طفولته قد سُرقت منه”.

بالنسبة لأفراد الأسرة، كانت الصدمة مضاعفة، حين تحققوا من المعتدي الذي لم يكن غريبWا، بل كان ابن أخ الأب، وهو مراهق يبلغ من العمر 14 عامًا، يعيش في نفس المنزل العائلي الكبير، ترى الأم أن المراهق يشبع رغباته دون أي إحساس بمشاعر الآخرين.

وأشارت إلى أن المراهق ربما يعاني من مشاكل نفسية أو اضطرابات سلوكية غير ظاهرة، وتراه بأنه لا يشعر بالمسؤولية، وتخشى أن يكون هناك ضحايا آخرون نتيجة أفعال هذا المراهق.

ردود أفعال

في البداية، واجهت الأسرة صعوبة كبيرة في التعامل مع القضية، تقول الأم: “المشكلة كانت أسرية بامتياز، وكما هو الحال في كثير من العائلات الليبية، كان هناك إنكار وتصادم. البعض حاول التغطية على الجريمة خوفًا من الفضيحة”.

ومع ذلك، اختارت الأم حماية أطفالها بأي ثمن فقد قررت التوقف عن إرسال أبنائها إلى منزل الجدة، وتقليص تواجدهم مع أفراد العائلة الآخرين، لكنها لا تزال تشعر أن هذه الخطوات ليست كافية، قائلة “أريد أن يُحاسب المراهق على فعلته، وأريد توعية والديه حتى لا يتكرر الأمر مع أطفال آخرين”.

الصمت والخوف من العار

في مجتمع محافظ مثل ليبيا، تعتبر قضايا التحرش بالأطفال من المحرمات التي لا يُفضل الحديث عنها، ويرى بعض الأخصائيين الاجتماعيين أن المجتمع الليبي يفضل الصمت خوفًا من العار، مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة، حيث تخشى الأسر الليبية الحديث أو التبليغ، مما يجعل المعتدين يشعرون بالأمان والاستمرار.

التحرش عبر الإنترنت.. وجه آخر للتحرش

قال الدكتور عمر شوران رئيس الجمعية الليبية للإنترنت

أن الجمعية الليبية للإنترنت تعمل في سبيل مكافحة التحرش ضد الأطفال على شبكة الانترنت عبر توفير أدوات للإبلاغ عن المحتوى أو المستخدمين المشبوهين، مع تعزيز الوعي بأهمية الإبلاغ وذلك من خلال الخطوط الساخنة المتوفرة عبر شبكة مراكز دولية معنية بهذه الخدمة، والتعاون مع الجهات الأمنية وبالأخص أجهزة مكافحة الجرائم الالكترونية بوزارة الداخلية لتتبع المتحرشين وملاحقتهم قانونياً واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بحيث تسخر خوارزميات تحليل المحتوى والكشف عن السلوكيات المشبوهة.

الدكتور عمر شوران رئيس الجمعية الليبية للإنترنت

للحد من هذه الظاهرة أوصى شوران بتعزيز التعليم الرقمي بتوعية الأطفال بكيفية استخدام الإنترنت بأمان، تشديد القوانين بفرض عقوبات صارمة على المتحرشين، تعزيز الخصوصية بتشجيع الأطفال على عدم مشاركة المعلومات الشخصية، كما تدعو الجمعية إلى التعاون الدولي بتنسيق الجهود بين الدول لمكافحة التحرش عبر الحدود بدعم الضحايا بتوفير الدعم النفسي والقانوني للأطفال الذين يتعرضون للتحرش.

كيف يمكن أن تحمي الأطفال من التحرش على الإنترنت؟

وقال شوران إن حماية الأطفال من مخاطر التحرش على الإنترنت تتطلب وعيا وتدابير وقائية من قبل الآباء بتوعية الأطفال بمخاطر الإنترنت بشكل عام والتحرش بشكل خاص، توضيح السلوكيات غير المناسبة وعدم مشاركة المعلومات الشخصية (مثل العنوان، رقم الهاتف، المدرسة) مع أي شخص عبر الإنترنت وتشجيعهم على إخبار أحد الوالدين فورا إذا تعرضوا لأي موقف مزعج أو مشبوه، استخدم برامج مراقبة تساعد في تصفية المحتوى غير المناسب وتحديد وقت استخدام الإنترنت وضبط إعدادات الخصوصية على جميع التطبيقات والألعاب التي يستخدمها الأطفال

وأوصى بضرورة مراقبة النشاط الإلكتروني عبر متابعة حسابات الأطفال على وسائل التواصل الاجتماعي مع احترام خصوصيتهم، والتحقق من المواقع التي يزورها الأطفال بشكل دوري وذلك بمراجعة سجل التصفح، تعزيز الثقة وتجنب لومهم اذا تعرضوا لموقف سيئ وضبط أوقات استخدام الإنترنت والأجهزة الإلكترونية ومنع الدردشة مع الغرباء وتشجيعهم على التواصل فقط مع الأشخاص الذين يعرفونهم في الواقع، الانتباه لأي تغيرات في سلوك الطفل مثل الانعزال أو القلق المفرط وما إذا كان يحاول إخفاء ما يفعله على الإنترنت وهو ما يؤشر إلى وجود مشكلة

ودعا المدارس الليبية الى مواكبة التطور التقني وإقامة برامج للتوعية الرقمية وتوفير بيئة آمنة للإبلاغ وتعزيز التعاون مع الأهالي وتعليم مهارات المواطنة الرقمية، كما دعا المجتمعات إلى تنظيم فعاليات توعوية، توفير موارد تعليمية مثل كتيبات حول كيفية حماية الأطفال من أخطار الإنترنت وإنشاء مواقع إلكترونية أو منصات توفر معلومات ونصائح حول الأمن الإلكتروني.

وأشار إلى إمكانية إنشاء شبكات دعم أهالي لتبادل الخبرات والنصائح حول كيفية حماية أطفالهم وتوفير خدمات استشارية للأطفال الذين تعرضوا للتحرش الإلكتروني، تشجيع المشاركة المجتمعية من خلال دفع الشباب للمشاركة في حملات التوعية وتثقيف أقرانهم حول مخاطر الإنترنت وتنظيم مسابقات أو أنشطة تهدف إلى تعزيز الوعي الرقمي بين الأطفال.

رأي الطب النفسي

قالت الاخصائية النفسية ندى جموم أن قضية التحرش بالأطفال تعد من القضايا التي تمثل تحديًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، خاصةً أن كان الجاني من العائلة ومن الدائرة الأولى للضحية.

تكشف هذه الحادثة عن تعقيدات متعددة تتعلق بالصدمات النفسية التي تلحق بالضحايا، وكذلك الأسباب الكامنة وراء السلوكيات غير المقبولة للمعتدين، التعامل مع هذه القضايا يتطلب فهماً عميقاً للجوانب النفسية والاجتماعية، إلى جانب استجابة مدروسة من الأسرة والمجتمع.

الاخصائية النفسية ندى جموم

حيث ترى جموم أن قرار الأم بتغيير نهجها من العقاب إلى التفاهم والاحتواء خطوة إيجابية للغاية، هذا التغيير يساعد الأطفال على التعبير عن مشاعرهم وفتح باب التواصل بينهم وبين أمهاتهم، في هذا الأعمار الصغيرة الحساسة يعتبر الدعم العاطفي من الأسرة حجر الزاوية في تكوين شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه.

وأضافت: أن إدراك الأم بأن تصرفات ابنها لم تكن مجرد أفعال غريبة، بل نتيجة لمعاناة أعمق كان خطوة محورية، هذا الفهم ساعدها على البحث عن حلول، وهو ما يمثل وعيًا كبيرًا بضرورة مواجهة المشكلة بدلاً من إنكارها.

وتابعت: أن توقف الأم عن إرسال ابنها إلى منزل الجدة يعكس وعيها بأهمية حماية طفلها من التعرض لمزيد من الأذى.، هذا القرار كان ضروريًا لضمان سلامته النفسية والجسدية، وتهيئته للشفاء من هذه التجربة الصادمة.

واعتبرت جموم التأخير في اتخاذ الإجراءات مشكلة كبيرة وقالت “على الرغم من إدراك الأم للتغيرات السلوكية في ابنها، إلا أن تأخرها في التواصل مع أخصائي نفسي أدى إلى تفاقم الوضع. التدخل المبكر في مثل هذه الحالات يساعد على تقليل الآثار النفسية السلبية ويزيد من فعالية العلاج”.

وأشارت الأخصائية النفسية إلى ضرورة دعم الأطفال الضحايا في مثل هذه الحالات، وشددت على ضرورة استشارة مختص نفسي لأنه من الضروري أن يتلقى الأطفال دعمًا نفسيًا متخصصًا لمساعدتهم على تجاوز الصدمة، حيث يمكن للأخصائي النفسي تقديم استراتيجيات علاجية مخصصة تتناسب مع أعمار الأطفال الضحايا.

وشددت على تعزيز الثقة لديهم ويجب على الأسرة توفير بيئة آمنة للطفل يشعر فيها بالحب والدعم، ويجب تعزيز ثقته بنفسه ومساعدته على التعبير عن مشاعره دون خوف يعد خطوة أساسية.

وأوصت على ضرورة تعليم الطفل الحدود الشخصية تعليم الطفل مفهوم “الحدود الشخصية” وكيفية حماية نفسه من المواقف غير المريحة هو جزء أساسي من الوقاية المستقبلية، وفي هذه القضية اعتبرت جموم أن المعتدي مراهقا ويحتاج أيضا يحتاج تعامل خاص.

التعامل مع المعتدي

قالت الأمر هنا يحتاج تقييم نفسي للمراهقين حيث يجب أن يخضع المراهق المعتدي لـ تقييم نفسي شامل لفهم الأسباب الكامنة وراء سلوكياته الشاذة، والذي من المحتمل أن يكون قد تعرض هو نفسه لتحرش سابق، ما جعله يتحول من ضحية إلى جاني، هذا التقييم يساعد على وضع خطة علاجية مناسبة. وشددت على ضرورة تقديم الدعم النفسي بدلاً من التركيز فقط على العقاب، وضرورة توفير بيئة آمنة للمراهق ليتمكن من التحدث عن مشاعره وتجربته، حيث يمكن العلاج النفسي أن يساعده على فهم دوافعه وتغيير سلوكياته.

عقاب سلوكي 

قالت “يجب أن يدرك المراهق عواقب أفعاله، ويمكن تطبيق عواقب تربوية مثل تقليل امتيازاته أو فرض قيود على أنشطته الاجتماعية، مع التركيز على تطوير شعور بالمسؤولية لديه، وتوعية الأسرة والمجتمع من تنظيم جلسات تثقيفية، أي يجب أن تتلقى الأسرة جلسات توعية حول كيفية التعامل مع قضايا التحرش، بما في ذلك طرق التعرف على العلامات المبكرة والتحرك الفوري لمعالجتها، كما ينبغي إدراج برامج توعية في المناهج الدراسية لتعليم الأطفال كيفية حماية أنفسهم من التحرش”.

وأوضحت جموم هذه القضايا ليست مجرد حوادث فردية، بل هي انعكاس لقضية أوسع تواجه العديد من الأطفال في المجتمع الليبي والتعامل مع هذه القضايا يتطلب استجابة شاملة تشمل الدعم النفسي وتوعية الأسرة وإصلاحات مجتمعية لتحطيم حاجز الصمت والخوف وحماية الطفولة مسؤولية يجب أن يضطلع بها الجميع بدءًا من الأسرة ووصولًا إلى المجتمع ككل.

ظاهرة أم مجرد مؤشر؟

أكدت المستشارة في الخدمة الاجتماعية آمنة خليفة أن التحرش الجنسي بالأطفال يعد ظاهرة اجتماعية متزايدة، وليس مجرد مؤشر على مشكلة مؤقتة.

وأوضحت خليفة أن هذه الظاهرة أصبحت منتشرة في المدارس والمؤسسات التعليمية، بل وفي بعض الحالات بين الأطفال أنفسهم، وأضافت خليفة أن التحرش يتخذ أشكالًا متعددة، من التحرش باللمس والتحرش بالألفاظ إلى التحرش في الأماكن الخاصة مثل الحمامات.

المستشارة في الخدمة الاجتماعية آمنة خليفة

وأرجعت المستشارة الاجتماعية تزايد هذه الظاهرة إلى غياب التوعية اللازمة، مؤكدة أن الأمر يتطلب محاضرات وورش عمل توعوية للأطفال في المدارس، بالإضافة إلى توعية الأمهات والأسر بضرورة مراقبة سلوكيات الأطفال.

ولتجنب هذه المشكلة، شددت خليفة على ضرورة دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين في تدريبهم على كيفية التعامل مع هذه الظاهرة وتقديم برامج توعية تشمل التثقيف الديني، الثقافي، والاجتماعي.

 

أسباب التحرش وآثاره

تطرقت خليفة إلى أسباب التحرش، مشيرة إلى أن أبرزها ضعف التربية الدينية للأطفال وقلة التوجيه الديني من قبل الأهل والمعلمين، كما أضافت أن انشغال الأمهات والآباء عن متابعة أبنائهم وتركهم دون رقابة كافية يعزز من هذه الظاهرة، كما ربطت خليفة أيضًا بين انتشار التحرش وبين التكنولوجيا، حيث يساهم الاستخدام غير المناسب للإنترنت من قبل الأطفال في تعرضهم لمحتوى غير ملائم لأعمارهم.

وأشارت المستشارة إلى أن هذه الأسباب تؤدي إلى آثار سلبية على الأطفال، تشمل فقدان الطفولة وتطور مشاكل نفسية وسلوكية تؤثر بشكل كبير على تطورهم، ولها انعكاسات كارثية على المجتمع، حيث تسهم في انتشار الشذوذ الجنسي والنفسي، ولها تأثيرات طويلة الأمد على الشباب ومستقبلهم.

ودعت خليفة إلى ضرورة زيادة البرامج الدينية الموجهة للأطفال وتعزيز القيم الإسلامية في تعليمهم، كما شددت على ضرورة تكامل جهود الأهل والمدارس والمؤسسات الصحية والاجتماعية لتوفير الدعم النفسي والصحي للأطفال المتضررين.

واعتبرت أن التوعية المستمرة عبر تنظيم دورات تدريبية للأخصائيين الاجتماعيين وتقديم برامج توعية شاملة للأسر يمكن أن تساهم بشكل كبير في تقليص انتشار هذه الظاهرة.

الإطار القانوني القضية

قال أستاذ القانون موسى القنيدي في قراءة لمواد قانون العقوبات الليبي في قضية التحرش بالأطفال تعد ذات أبعاد قانونية واجتماعية معقدة، خصوصًا في ظل وجود نصوص قانونية واضحة في القانون الليبي تعاقب مرتكبي جرائم المواقعة، وهتك العرض، وإغواء الصغار، في هذا الإطار يستعرض القنيدي المواد القانونية ذات الصلة بالقضية وهي (407، 408، 409)، ووضح معانيها وأثرها على مثل هذه الحوادث.

حيث قال “جرمت المادة (407) فعل المواقعة، ونصت على أن كل من واقع آخر بالقوة أو التهديد أو الخداع يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وإذا تمت المواقعة ولو بالرضا مع شخص أقل من 14 سنة أو مع شخص غير قادر على المقاومة بسبب مرض عقلي أو جسدي، تكون العقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات، وإذا كان المجني عليه قاصرًا أتم الرابعة عشرة ولم يتم الثامنة عشرة، تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات.

وأضاف “إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه (مثل الأب أو الجد) أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان خادمًا لديه أو لدى أسرته، فإن العقوبة تتراوح بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة، وأما فيما يتعلق بالمواقعة برضا الطرفين (سواء كانا بالغين أو غير بالغين)، يعاقب الفاعل وشريكه بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات”.

يلاحظ القنيدي أن المشرّع الليبي يُشدد على حماية الأفراد، خاصة الأطفال والقاصرين، من الاعتداء الجنسي تحت أي ظرف، فالمواقعة مع شخص دون سن 14 سنة تعتبر جريمة كبرى حتى لو تم ذلك بالرضا، لأن القانون يفترض عدم قدرة الطفل على إعطاء موافقة واعية.

وقال “إذا كان المعتدي من ذوي السلطة أو القربى (مثل ابن العم في هذه القضية)، فإن العقوبة تكون أشدّ، تقديرًا لتضاعف الضرر النفسي والاجتماعي الناجم عن استغلال الثقة، وأما فيما يتعلق بهتك العرض بالقوة أو بالطرق المذكورة في المادة 407، فإن عقوبة الجاني هي السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، أما إذا ارتكب الفعل ولو بالرضا مع شخص دون الرابعة عشرة أو مع شخص عاجز عن المقاومة، تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وإذا كانت سن المجني عليه بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة، تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة، وإذا كان الفاعل أحد الأشخاص المذكورين في المادة 407، مثل الأصول أو المتولين للتربية، تكون العقوبة السجن لمدة لا تتجاوز سبع سنوات”.

وتابع الأكاديمي الليبي “وإذا تم هتك العرض برضا الطرفين، يعاقب الفاعل وشريكه بالحبس، إن هتك العرض يختلف عن المواقعة في طبيعة الفعل الجنسي المرتكب، حيث يشمل ويتضمن أي اعتداء جنسي لا يصل إلى حد المواقعة”.

ولعل ما يلاحظ هنا هو أن القانون يشدد على الحماية من هذه الجرائم، خاصة إذا كان الضحية طفلاً أو قاصرًا، ويفرض عقوبات مشددة إذا كان المعتدي من ذوي السلطة على الطفل، أما المادة (409) جرمت تحريض الصغار على الفسق أو الفجور، وعاقبت بالحبس كل من حرض صغيرًا دون الثامنة عشرة على الفسق أو الفجور، أو ساعده على ذلك، أو مهد له، أو أثاره بأي طريقة، أو ارتكب أمامه فعلًا شهوانيًا سواء على نفسه أو على شخص آخر.

حيث تضاعف العقوبة إذا كان الجاني من الأشخاص المذكورين في المادة 407، أي إذا كان من أصول المجني عليه أو ممن لهم سلطة عليه، وهذه المادة تهدف إلى حماية الأطفال والقاصرين من أي شكل من أشكال التحريض أو الاستغلال الجنسي، حتى لو لم يصل الفعل إلى المواقعة أو هتك العرض.

وبحسب نصوص المواد سالفة الذكر صنف القنيدي هذه القضية وفق تصنيف السلوك المرتكب من المراهق (ابن العم) ضمن هتك العرض الوارد في المادة (408)، حيث أن الطفل الضحية لم يبلغ الرابعة عشرة وكان عاجزًا عن المقاومة بسبب صغر سنه، وإذا ثبت وقوع أي تحريض أو استغلال من قبل المعتدي، فإن المادة (409) الخاصة بإغواء الصغار قد تنطبق أيضًا.

وبخصوص تشديد العقوبة بسبب صلة القرابة أوضح القنيدي كون المعتدي ابن عم الطفل الضحية يجعله مشمولاً بالفقرة الخاصة بـ”ذوي السلطة” في المادة (407) والمادة (408)، مما قد يؤدي إلى تشديد العقوبة وبذلك تتراوح العقوبة بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة إذا ثبتت الجريمة.

واعتبر أن مسؤولية الأسر أمر هام حيث يسلط القانون الضوء على أهمية دور الأسرة في حماية الطفل، في هذه القضايا ويمكن هنا الإشارة إلى تقصير الأسرة في الإشراف على الطفل، مما سمح بوقوع الجريمة.

وأوصى أستاذ القانون الليبي إلى ضرورة الإبلاغ الفوري عن مثل هذه الحالات، أي يجب على الأسرة الإبلاغ عن هذه الحوادث للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وحماية الأطفال من أي أذى مستقبلي، بالإضافة إلى إجراء تقييم نفسي وقانوني للمراهق المعتدي والذي يجب أن يخضع لتقييم نفسي شامل لتحديد مدى إدراكه للجريمة المرتكبة، مع تطبيق العقوبات المناسبة عليه وفقًا للقانون.

بالإضافة إلى تعزيز التوعية بالقوانين ونشر الوعي بين الأسر حول أهمية حماية الأطفال من التحرش، وتعريفهم بالعقوبات القانونية المترتبة على مرتكبي هذه الجرائم، وإنفاذ العقوبات وتطبيق العقوبات الواردة في المواد (407، 408، 409) لضمان تحقيق العدالة وحماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية.

ويرى أن لا مسؤولية جنائية على المعتدي (الحدث) دون سن الرابعة عشر عاما، والاحتمال المتوقع هو أن يقوم القاضي باتخاذ تدابير وقائية احترازية في مواجهته، أما إذا كان سن الطفل فوق الرابعة عشر من عمره فإن المسؤولية الجنائية تخضع للتخفيف أي للحد الأدنى للعقوبة المقررة وهي السجن لمدة خمس سنوات، فالقاضي يستطيع أن يقضي بالحد الأدنى للعقوبة وهي 3 سنوات كسجن، من ثم يخفف العقوبة، وإذا كان المعتدي من أقارب الضحية أو ممن تربطه به صلة كعلاقة العمل فإن العقوبة ستكون مغلظة ومشددة وفقا لنصوص قانون العقوبات.

ويختم القنيدي تعليقه على هذه المشكلة بالقول أن المشرع الليبي هدف بالمواد الي تضمنها قانون العقوبات إلى حماية الأطفال والمجتمع من الجرائم الجنسية بكل أشكالها ومع ذلك، تبقى الحاجة إلى رفع الوعي المجتمعي حول الإطار القانوني ضرورة ملحة، إذ أن الصمت أو التستر على هذه الجرائم هو ما يسمح باستمرارها ويزيد من معاناة الضحايا، قضية سامر مثال صارخ على ضرورة تفعيل هذه القوانين لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي، وحفظ الكرامة الإنسانية من أي اعتداء قد يطالها.

دور المجتمع المدني

عفاف الولوال مدير مكتب حماية الطفل باللجنة العليا للطفولة

تقول عفاف الولوال مدير مكتب حماية الطفل باللجنة العليا للطفولة ومدير منظمة البيان للمراة والطفل انه لاوجود لاحصائيات ترصد التحرش الجنسي كونه امر حساس جدًا للمجتمع الليبي ومن الصعب حصر الحالات باعتبار حساسية الموضوع.

وأضافت الولوال أنهم يعملون في مجال توعية أولياء الأمور والدعم النفسي للأطفال، وأكدت على صعوبة التعامل حتى مجال التوعية حول هذا الأمر لحساسيته ومقابلته بالرفض من المجتمع حتى في الحديث حوله بشكل صريح وهو ما يدفعهم للتطرق للموضوع بشكل مبطن حول توضيح انعكاسات الأمر على تصرفات الأطفال التي قد يكون سببها الرئيسي التحرش بالأطفال.

وشددت من خلال متابعتها للأمر أن الوضع يعتبر شبه ظاهرة منتشرة في المدارس، بالإضافة إلى التحرش من الأقارب وهو ما يجعل المنظمات المهتمة بحماية الأطفال للبحث عن آليات يمكن تنفيذها لحماية الأطفال من الوقوع “ضحايا التحرش” عبر تنظيم ورش عمل والوصول لنتائج يمكن تطبيقها في المجتمع الليبي المنغلق حول هذا الأمر.

سلط هذا التحقيق الضوء على قضية حساسة تمس المجتمع الليبي بشكل عميق، وهي التحرش الجنسي بالأطفال داخل العائلة وخارجها، وتكمن أهمية التحقيق في كونه يكسر حاجز الصمت حول هذا الموضوع المحظور في مجتمع محافظ، حيث يُعيق الخوف من الفضيحة والوصمة الاجتماعية التعامل السليم مع مثل هذه القضايا، مما يؤدي إلى استمرار معاناة الضحايا وتفاقم الظاهرة.

من خلال هذا التحقيق، تم فتح نقاش جاد حول التحرش الجنسي بالأطفال، بهدف زيادة الوعي والتوعية بالظاهرة، وفتح المجال لمناقشة دور القوانين الليبية في معالجة هذه القضايا، كما تم تسليط الضوء على الثغرات في تطبيق القانون، مما يستدعي العمل على تطوير نظام عدالة أكثر فعالية لضمان حماية الأطفال ومعاقبة المعتدين بشكل عادل.

  • صور الاطفال مولدة بالذكاء الاصطناعي

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى