تعذيب في مؤسسات الشرطة

كيف يصنع المجرمون أثناء التحقيق وجمع الاستدلالات

تحقيق: عبد الله الوافي

كثر قادهم حظهم العاثر للتواجد في المكان غير المناسب في الوقت غير المناسب، وآخرون وجدوا نفسهم في ضائقة أمنية لمجرد وقوع تشابه بين أسمائهم وأسماء مطلوبين وطرف ثالث، تم ضبطهم وإحضارهم بسبب تصفية حسابات شخصية، أو لإغلاق ملفات أمنية طال زمن فرار المشتبه بهم فيها، وطرف رابع ذكر في التحقيقات التعسفية رغمًا عن أنف الذاكرين، لمجرد الضغط عليهم وتعذيبهم للإقرار بوجود شركاء.

التعذيب لغرض انتزاع اعترافات بارتكاب جرائم، والتعذيب لغرض الحصول على معلومات، والتعذيب لأغراض انتقامية في المؤسسات الشرطية التي بعثتها الحكومات والدساتير لإنصاف المواطنين وتحقيق العدالة وبسط سيادة القانون وحماية أرواح الناس وصون ممتلكاتهم، والحفاظ على حقوقهم المادية، والنفسية والبدنية، فتغولت وصارت مؤسسات قمعية تسلطية قامعة للحريات، ومنتهكة لكل حقوق الإنسان المعلن عنها في الدساتير والقوانين والاتفاقيات والمواثيق والعهود المتعلقة بحقوق الانسان في العالم أجمع.

التعذيب البدني والنفسي وخطورته  

يعرف (م. ن) محامي ناشط في حقوق الإنسان، طلب عدم ذكر اسمه، يعرًف التعذيب بأنه كل إيلام يقع على روح الإنسان، أو على جسده، وأنه كل إيذاء بدني، أو نفسي مبرح تعافه حقوق الإنسان، وتعافه الشرائع السماوية، وفي القانون الليبي فأن مجرد الضغط على يد المجني عليه يعتبر نوعًا من الإيذاء، ونوعًا من التعذيب غير المبرر، حتى إذا ارتكب في الأطر التربوية والمدرسية والإصلاحية، وأن التعذيب الرسمي الحكومي يقع بتسبب شخص يحمل صفة رسمية إذا كان التعذيب في دوائر الشرطة، أو الأمن في آلم نفسي ومعاناة شديدة لشخص آخر، وذلك بغية انتزاع اعترافات معينة بالقوة، أو لتصفية حسابات شخصية، أو للحصول على معلومات محددة، أو أسماء شركاء للمشتبه به في قضية ما.

الأستاذ المحامي يضيف بأن الاعترافات الناجمة عن عمليات تعذيب غير معترف بها في النيابة العامة التي قد تطرح كل الاعترافات في محضر جمع الاستدلالات جانبًا، وتشرع في التحقيق من جديد، كما أن النيابة العامة قد تتصرف بأنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية مؤقتًا لعدم كفاية الأدلة، لتنتهي القضية على هذا النحو دون إحالتها للنظر أمام المحاكم المختصة، وبالتالي فأنه يقع الإفراج على المشتبه بهم بعد أن قضوا مددًا زمنية تفوق المدد المحددة قانونًا في الحبس الاحتياطي، والتوقيف الممنوحة لسلطات التحقيق تحت نير التعذيب الذي تستخدم فيه كل الوسائل العنيفة من ضرب وايذاء جسيم وبسيط وخطير، وقد ينجم عنه تعطيل بعض الحواس، أو التسبب في أمراض نفسية خطيرة، أو حتى التسبب  بالموت كما لا يمكن تصور أو حصر الوسائل المستخدمة في عملية التعذيب، والتي تبدأ بالصفع والتهديد والوعيد والضرب والحرمان من بعض الحقوق المختلفة، وقد تصل إلى استخدام التعذيب بالتيار الكهربائي، مرورًا بمختلف الوسائل القديمة والحديثة والتكنولوجية.

أسباب انتشار التعذيب في التحقيقات الأولية

يقول الأستاذ جمعة خالد بأن الأسباب التي تكمن وراء التجاء المحقق للتعذيب متنوعة، نفسية وقانونية وتنافسية وتربوية، وأن من بينها التراكمية التربوية للمحقق، إذ قد يكون من المعنفين أسريًا منذ طفولته في أسرته، أو من المعنفين في مدرسته، وهي الخبرات السيئة التي تطل عليه في فترة عمله محققًا، فيقدم عليها مقتنعًا بأهميتها في الحصول على المعلومات وإغلاق الملفات والقضايا ونيل إعجاب الرؤساء ومنافسة الزملاء في هذا المجال، كما أن الثغرات القانونية التي لا تحسم الأمر المتعلق بوقوع المشتبه فيهم تحت التعذيب من خلال توقيف المحقق والتحقيق معه، وحتى فصله من الخدمة من بين أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التعذيب أثناء تحرير محاضر الشرطة، وأثناء جمع الاستدلالات عن الأفعال المعاقب عليها قانونًا، سواء كانت جرائم جنائية عادية، أو جرائم سياسية مختلفة.

ويضيف الأستاذ جمعة بأن المؤسسات التربوية والتي تبدأ من الأسرة مرورًا بالمدرسة فالمسجد إلى وسائل الإعلام ووسائل الاتصال والتقنيات الاتصالية الحديثة، وعدم اهتمامها بتثقيف أفراد المجتمع بخطورة التعذيب على السلم الاجتماعي وخطورته على حياة الناس، وعلى حرياتهم، وعلى اختياراتهم، وعلى صحتهم النفسية من بين الأسباب الكثيرة التي تساهم في انتشار التعذيب في المؤسسات الأمنية.

القانون لا يعتد الا بالاعتراف الذي يتم دون إكراه في مجلس القضاء

الأستاذ المحامي (م.ن) يضيف بأن القانون الليبي لا يعتد بالاعتراف إلا إذا تم في مجلس القضاء أمام القاضي، أو أمام القضاء دون إكراه، وبالإرادة الشخصية الحرة للمتهم المحاكم، وتقوم المحكمة بطرح اعترافات المتهم التي وقعت أثناء التحقيقات الأولية لشعورها بأنها تمت تحت الضغط والإكراه، والتعذيب خاصة إذا خلت القضية من القرائن والأدلة والشهود لإثبات وقوع الجرم من قبل المتهمين الماثلين أمام عدالة المحكمة، وهكذا تحكم المحكمة ببراءة المتهم بعد أن قضى فترة طويلة في الحبس المؤقت، وتحت التعذيب النفسي والبدني أثناء محضر التحقيق، وأثناء جمع الاستدلالات، وغالبًا ما ينجو المحققون بأفعالهم المتنافية مع القوانين والمتنافية مع العدالة والمتنافية مع الشرائع السماوية والمتنافية مع حقوق الانسان.

مشكلتنا في عدم إنفاد القوانين التي تجرم التعذيب وليس في سنها

المحامية مريم الحوينط قالت بأن المشكلة في مواجهة التعذيب أثناء التحقيقات الأمنية بغرض الحصول على المعلومات، أو بغرض انتزاع الاعترافات بارتكاب جرائم معينة لا تتعلق بعدم وجود القوانين، فالقوانين موجودة ولكن المشكلة في القدرة على إنفاد القانون بمعنى تنفيذه على الحالات التي يتعرض فيها المحقق معهم إلى التعذيب، إذ أن القانون رقم (10) لسنة 2013 الذي يتعلق بالحد من التعذيب وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون العقوبات تتضمن كلها موادًا تمنع الضرب، أو التعذيب وتتضمن ضرورة معاملة الموقوفين والمتهمين بمقتضى القوانين التي تحترم أدمية الإنسان، وتحترم حقوقه باعتباره متهمًا وباعتباره بريئاً إلى أن يثبت العكس، وإلى أن تثبت إدانته.

انخفاض مستويات التعذيب عنها في أيام الحروب السابقة

المحامية مريم الحوينط

الأستاذة مريم المحامي أضافت بأن الكثير من الانتهاكات ضد حقوق المتهمين موجودة وموثقة من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني، إلا أنه يلاحظ وجود انخفاض واضح في مؤشرات التعذيب في المؤسسات الأمنية في الوقت الراهن عنه في أوقات الأزمات والحروب التي مرت بها البلاد، وهذا مؤشر جيد، وأضافت بأن مشكلة الإخفاء القسري هي من أبرز المشاكل التي طفت على سطح المخالفات المتعلقة بحقوق الإنسان، وصارت منتشرة بشكل كبير، وينبغي أن نضع لها حلولاً تؤدي إلى القضاء على هذه الظاهرة، مؤكدةً بأن الإخفاء القسري يستهدف الضحايا من المعارضين لتوجهات بعض المؤسسات الحاكمة، أو يكون الغرض منه هو الابتزاز المالي، أو لغرض الانتقام من بعض الأشخاص.

الوضع القانوني للاعتراف تحت الاكراه

الأستاذة مريم أضافت بأن القانون لا يعتد بالاعتراف الذي يقع أمام سلطات التحقيق إذا ثبت بأنه وقع تحت الضغط، أو تحت الإكراه فإذا نكل المتهم عن اعترافاته السابقة أمام مجلس القضاء، ولم تكن هناك أدلة على تورطه، أو قرائن دامغة ولم يعترف أمام مجلس القضاء بأقواله أمام سلطات التحقيق السابقة، فإن القضاء لا يعترف بتلك الاعترافات، ويحكم بالبراءة وألحت الأستاذة مريم على ضرورة مراعاة الضوابط والإجراءات القانونية والاتفاقيات الموقع عليها، والمتعلقة بحقوق الإنسان عند إيقاف المواطنين والمتهمين وعدم تعريضهم للتعذيب، أو الضغط من أجل انتزاع المعلومات، أو الاعترافات. كما أشارت إلى جرائم التشهير بالمتهمين حتى قبل صدور الأحكام القضائية الباتة عبر نشر مقاطع اعترافاتهم في وسائل الإعلام المختلفة، وبث تلك المقاطع بذريعة نشر التوعية بالجرائم المرتكبة ما يتعارض مع القوانين التي تمنع النشر والبث والتشهير بالمتهمين قبل صدور أحكام نهائية وباتة وقطعية.

 ضرورة تكثيف تسليط الضوء على هذه الانتهاكات

الأستاذة مريم الحوينط المحامية والناشطة في المجال الحقوقي أشارت إلى أن معالجة مشكلة التعذيب في التحقيقات الأولية التي تجريها بعض المؤسسات الأمنية وغيرها، يتطلب ضرورة تكثيف تسليط الأضواء على هذه الحالات، وتفعيل القوانين المتعلقة بها للحد من سلوكيات الجهات التي لا تحترم القوانين عند التعاطي مع الموقفين والمتهمين، كما أشارت إلى أن المؤسسات القانونية المدنية مقيدة إلى حد ما عند سعيها لتسليط الضوء على مثل هذه الانتهاكات الخطيرة ضد حقوق الإنسان، ويجب تحرير هذا القيد حتى تستطيع الكشف عن هذه الانتهاكات، وحتى يتم الحد منها، وتتم عملية محاسبة المتورطين في التعذيب، وفي التشهير بغية القضاء على مثل هذه الظواهر الخطيرة التي تمس حقوق الإنسان في البلاد.

ارتفاع وتيرة الاعتقالات التعسفية مؤخرًا

احميد المرابط الزيداني مستشار قانوني، وباحث في قضايا حقوق الإنسان، وكاتب ابدى انزعاجه من الوضع الإنساني للمعتقلين، وقال بأن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعًا في وتيرة الاعتقالات التعسّفية التي ترتكبها بعض الجهات التابعة للدولة، أو المُرتبطة معها، بالإضافة إلى التعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون، ناهيك عن نشر الاعترافات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للموقوفين أو المضبوطين لدى تِلك الجهات.

الأستاذ احميد المرابط الزيداني

وقد تناولت عِدّة منظّمات داخل وخارج ليبيا تِلك الانتهاكات من خلال عمليات رصد وتوثيق وتقارير صدرت بالخصوص، كما إنّ الحساب الرسمي لمكتب النائب العام في الربع الأخير من عام 2024 أعلن عن إيقاف لبعض مُنتسبي أجهزة أمنية وشُرطية على خلفية أعمال اعتقال وقتل خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى بعض عمليات التعذيب.

وتعتبر هذه الأفعال انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفقًا للمعاير الدولية ومنها (اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة، أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة) والّتي صادقت عليها الدولة الليبية.

والإعلان الدستوري الليبي الصادر في عام 2011 أوجب على الدولة في مادته السّابعة صون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، كما إنّ القانون رقم (10) لسنة 2013 بشأن تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز يمنع هذه الأفعال ويعتبرها جرائم أوجد لها العقوبات الرّادعة.

وأمّا فيما يتعلّق بنشر صور وأسماء واعترافات المقبوض عليهم وعرضها للعامة، فهذا الأمر ينتهك حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية والتزامات ليبيا في هذا الشأن، كما أنّه ينتهك الحق الدستوري الوارد في الإعلان الدستوري بالمادّة 31 والّتي نصّت على أنّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة، تكفل له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه، ناهيك على أنّ نشر الاعترافات وإذاعتها يُعتبر تشهيرًا بالمقبوض عليه أو المُعتقل وفق قانون العقوبات الليبي ويتسبّب في ضرر كبير له ولعائلته، إضافة لكونه مُخالف لما ورد في قانون الإجراءات الجنائية.

الإشكالية ليست تشريعية بل تطبيقية

ويضيف بأنّ الإشكالية في تلك الانتهاكات ليست تشريعية إذْ أنّ بعض التشريعات النافذة تتصدّى لتلك الأفعال، ولكنّ الإشكالية في تطبيق تِلك التشريعات والنصوص على مُنتهكيها وضمان عدم إفلاتهم من العقاب وفق مُحاكمات عادلة، لأنّ استمرار إفلات الجُناة من العقاب يُعتبر سببًا من أسباب توسّع وانتشار تِلك الانتهاكات في المُجتمع.

كما تلعب منظّمات المجتمع المدني والمدافعين والمُدافعات عن حقوق الإنسان دورًا هامًّا في التوعية من أخطار تِلك الانتهاكات وتسليط الضوء عليها، ومحاولة مناصرة حقوق الضحايا وذويهم، عبر البيانات والتقارير وتقديم الشكاوى للجهات العدلية رُغم ما يعتري ذلك العمل من مخاوف ومخاطر حقيقية.

نماذج من جرائم التعذيب لانتزاع الاعترافات والمعلومات

ساحرة المقابر

المواطنة (خ.غ) امرأة أربعينية اضطرت بسبب التحرش بها في الطريق المحاذي لإحدى المقابر إلى الدخول إلى مسلك ترابي يمر داخل مقبرة مجاورة، وبعد قطعها نصف المسافة سارع بعض الأهالي الذين يقطنون المنطقة المتاخمة للمقبرة بتطويقها ومنعها من مغادرة المقبرة من كافة مخارجها، وجلب الأجهزة الأمنية للقبض عليها بتهمة نبش المقابر والقيام بأعمال السحر، وقامت الأجهزة الأمنية بالقبض على المسكينة وتعذيبها لإرغامها على الاعتراف بنبش قبور الموتى واستخراج الجثث وقطع أيادي الجثث لاستخدامها في إعداد بعض الأطعمة، والقيام بأعمال السحر والشعوذة، ورغم أنه لم يتم ضبط أية أدوات جرف أو حفر أو نبش مع المتهمة وفي كل المقبرة، كما لم يتم العثور على أية قبور مجروفة، أو متعرضة للنبش، إلا أن الأجهزة الأمنية ظلت تعذب السيدة حتى اعترفت مضطرة للخلاص من التعذيب بالتهم المنسوبة لها، وحيث أن المحققين قد ادركوا أنه يستحيل القيام بنبش القبور المخرسنة من قبل سيدة واحدة، وأنه ينبغي أن تتحصل على مساعدة للقيام بهذه الأعمال من خلال شركاء، فقد تعرضت لنوبة أخرى من التعذيب والضرب والصفع واستخدام الفلقة (الضرب المبرح على أسفل القدمين) لتعترف بأسماء الشركاء الذين يساعدونها في عمليات النبش المزعومة، وقد اضطرت للمرة الثانية للاعتراف بأسماء بعض النسوة اللاتي تعرفهن، وحددت أماكن سكناهن وعملهن، وكن من النساء العربيات الوافدات، وممن تعمل معهن في إحدى المؤسسات الصحية، وبجلبهن إلى التحقيق تبين ورغم تعذيبهن وتهديدهن أنهن براء من كل التهم، وأقرت المتهمة الأصلية لدى المواجهة معهن بأنها اعترفت بأسمائهن لتتخلص من قسوة التعذيب.

إحالة المتهمة إلى مستشفى الأمراض العقلية

بعد أن أدرك المحققون الحكوميون بأن القضية خاسرة ضد المتهمة (خ.غ) 40 سنة قرروا إحالة المتهمة إلى مستشفى الأمراض العقلية في العاصمة للكشف على قواها العقلية بذريعة تشتت أفكارها وتغيير أقوالها لإيهام العدالة بأن هذا التشتت قد يكون ناجمًا عن خلل عقلي، وليس عن تعرضها للتعذيب القاسي طيلة فترة التحقيق، وفترة جمع الاستدلالات، وقد استطاع محرر التقرير رفقة أحد المصورين تأدية زيارة خاطفة إلى المتهمة التي صارت نزيلة إحدى المصحات العقلية الكبرى، وتمكن من إجراء دردشة قليلة معها قبل أن تهرع نائبة مدير المستشفى لتنفيذ تعليمات المدير بمنع الصحافة من الاقتراب منها دون إذن مسبق من النيابة العامة، وقد روت خلال الدقائق القليلة بأنها تعرضت للتعذيب المبالغ فيه، والذي نجم عنه اعترافات بارتكاب أفعال لم تقم بارتكابها على الاطلاق، وتسمية شركاء لها من الإناث دون ذنب لهن سوى رغبتها في إنهاء مسلسل التعذيب والضرب الذي تعرضت له .. وفي ختام المسرحية العقابية التعذيبية قضت المحكمة المختصة بحبس المتهمة المسكينة ستة أشهر بتهمة تدنيس مقبرة وإسقاط تهم نبش القبور، والقيام بأعمال السحر لعدم كفاية الأدلة، ولعدم اعترافها بهما في مجلس القضاء، وكانت المتهمة قد قضت مدة زمنية في الحبس الاحتياطي أطول من فترة الحكم المحكوم به عليها، وتم الافراج عنها.

الساحر الأجنبي المغدور

هو وافد آسيوي يعمل في صيانة الأجهزة الكهربائية، مسلم وخلوق وطيب للغاية، وقد اختار بلادنا للعيش فيها على بلاده البعيدة هو وزوجته التي تحمل نفس جنسية زوجها، وقد استقر لهما المقام بهذه البلاد لفترة زمنية طويلة، ونجحا في إقامة علاقات طيبة مع الجيران المحليين وفي غمرة الشائعات المنتشرة في البلاد حول تفشي ظاهرة السحر والشعوذة، وحيث أن الأجنبي المسكين يقوم بناءً على طلب بعض الأهالي الذين يقطنون المنطقة المحيطة بالمقبرة بالقيام ببعض المهام، ومن بينها تشغيل مضخة خزان المياه بالمقبرة لتأمين الماء الذي يستخدم في بناء القبور، وفي تسقيفها، فقد تم الإبلاغ عن دخوله إلى المقبرة  من وقت إلى آخر، وتم القبض عليه وتفتيش بيته، وتم تعذيبه عذابًا شديدًا ليعترف بأنه يقوم بأعمال السحر وأعمال الشعوذة، وحاول عبثًا من خلال لغته العربية الضعيفة إقناع جلاديه بأنه يقوم بعمل من أعمال البر والإحسان من خلال ملء خزان المياه في المقبرة، بناءً على طلبات بعض المهتمين بشؤون المقبرة دون فائدة، فانتزعوا منه الاعتراف تلو الاعتراف، إلا أن النيابة العامة رأت بأنه لا دليل على تورطه في أي أعمال تتعلق بالسحر والشعوذة، فقامت بالإفراج عنه لعدم ثبوت الأدلة، بينما رأى الجلادون طرده من المنطقة بعد أن أذاقوه أصناف العذاب، وإغلاق بيته، وكتابة تحذير على جدران البيت لمنع الغير من الاقتراب من البيت الملعون.

التعذيب يطال الجميع وبمختلف الوسائل والاختراعات

أيمن السني قال بأن استخدام التعذيب في الكثير من المؤسسات الأمنية يطال الجميع، خاصة المساكين الذين لا يمتلكون علاقات تضرب أطنابها في الدولة فيما يتعلق بكل أنواع الجرائم، وأضاف بأن التعذيب لانتزاع الاعترافات والمعلومات الحقيقية أو الوهمية أمر شائع في دول العالم الثالث وبعض الدول المتقدمة أيضًا، وأن القانون يغض الطرف عن هذه الوسائل القمعية ضد الإنسان وضد حقوق الإنسان، وخلص إلى أن التعذيب في القضايا السياسية أخطر أنواع التعذيب، وغالبًا ما يلقى المعذبون حتفهم عند زيادة جرعات التعذيب، كما أن التعذيب في القضايا السياسية يمتد حتى بعد استكمال التحقيقات، وأثناء فترات تنفيذ العقوبات السالبة للحرية كنوع من الانتقام من المحكومين، ونادى بضرورة التوقف عن هذه الأساليب الهمجية في التحقيق، ومراعاة حقوق الإنسان ومراعاة الحقوق التي كفلها القانون للمتهمين، وعدم الاعتداد بالاعترافات الناجمة عن التعذيب، وعن الضغط والإكراه في إصدار العقوبات القضائية.

معالجة مشكلة التعذيب تربويًا وثقافيًا وبمعاقبة المحققين الظالمين

خلصنا بعد إعداد هذا التحقيق إلى أن القضاء على ظاهرة التعذيب في التحقيقات الأولية وأثناء تحرير محاضر جمع الاستدلالات يتطلب عناية كبيرة من مختلف مؤسسات المجتمع، ويبدأ العلاج من الأسرة التي ينبغي أن تبتعد عن التعنيف بين الزوج وزوجته، والتعنيف ضد الأطفال الذين يكبرون على التعنيف الأسري ويتحولون إلى معنفين، كما أن المدرسة تلعب دورًا خاصًا ومميزًا فيما يتعلق بتربية النشء على الاحترام، وعلى التعريف بحقوق الإنسان في الحياة الحرة الكريمة، وفي عدم التعنيف ونبذ التعنيف في المدرسة ضد التلاميذ لضمان تنشئة صالحة للأجيال، وكذا الحال بالنسبة للمساجد التي تعلب دورًا كبيرًا في محاربة التعنيف والضرب والتعذيب، مرورًا بوسائل الإعلام وتقنيات الاتصال والمؤسسات الحقوقية.

كما أن المشرع عليه واجب هام يتمثل في سن قوانين صارمة تتعلق بالتشديد على الأجهزة الأمنية إلى عدم انتزاع المعلومات، وانتزاع الاعترافات بالعنف والقوة، وضمان أن ينتهج المحققون الأساليب القانونية أثناء التحقيق، واثناء جمع الاستدلالات، وأثناء الضبط والقبض والاحضار، وضرورة معاقبة كل محقق حاد عن الصواب في التحقيق بالفصل من الخدمة والاحالة إلى التحقيق والقضاء، وسن القوانين والعقوبات الصارمة ضد منتهكي حقوق الإنسان في السجون واثناء الحبس الاحتياطي وأثناء التحقيق في مخافر الشرطة، ومختلف المؤسسات الأمنية والعدلية، حتى ينتهي شبح التعذيب في مختلف مؤسساتنا من أجل تحقيق العدالة المنشودة، ومن أجل حماية حقوق الإنسان الذي تنادي كل الشرائع السماوية وفي مقدمتها الدين الإسلامي الحنيف بالمحافظة على حياته وصون جسده ومشاعره وحفظ كرامته كاملة غير منقوصة.

 

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى