قراءة في قانون الجرائم الإلكترونية الليبي

 

جلال عثمان

صادق مجلس النواب الليبي في الجلسة المنعقدة بتاريخ 26 أكتوبر 2021 على قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي ضم (53) مادة، وهو القانون الذي قدمته إدارة القانون بوزارة العدل للمجلس في عام 2018، بحسب المسودة المسربة، والتي حملت ختم واسم الإدارة.

وقد أعلنت (34) منظمة أجنبية وليبية بتاريخ 10 نوفمبر 2021 بيانًا بالخصوص، ([1]) طالبت فيه السلطات الليبية (بحسب وصف البيان) إلى سحب القانون المصادق عليه مؤخرًا من قبل مجلس النواب وعدم تطبيقه. وقال البيان أن القانون يحد بصفة كبرى من حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني، كما يسمح بالرقابة الشاملة على الجمهور والصحفيين والصحفيات، ويبيح للسلطة التنفيذية حجب المواقع والمحتوى، دون إذن قضائي.

وفي 27 سبتمبر 2022 أصدر مجلس النواب الليبي، القانون رقم (5) لسنة 2022م بشأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، والذي ضم نفس عدد مواد مشروع القانون الذي لم ينشر في العام 2021، وهي (53) مادة، مع اختلاف في مضمون بعض المواد.

للاطلاع على قانون الجرائم الإلكترونية اضغط على هذا الرابط

قانون جديد بصياغة متطابقة

احتفظ القانون الجديد بنفس مواد القانون المسرب في العام 2021، ومن ضمن المواد التي تمت إعادتها بذات الصياغة، المادة الرابعة، وهي:

المادة (4)

استخدام شبكة المعلومات الدولية، ووسائل التقنية الحديثة مشروعة ما لم يترتب عليه مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة أو الإساءة إلى الآخرين أو الإضرار بهم.

وهذه المادة لم تحدد قواعد تطبيق القيود، ولم تعرف ما هي الآداب العامة، وهذا ما سيمنح القضاة إلى الاجتهاد في تحديد المفهوم.

وقد نصت المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادقت عليه ليبيا في العام 1973، أن:

  1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
  2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
  3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود، ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:

(أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،

(ب) لحماية الأمن القومي، أو النظام العام، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة.

والمادة (4) لم تحدد الضوابط التي بمقتضاها يقع تقييد الحقوق، أو الحريات، أو حق النشر، أو حق إبداء الآراء، أو حق الانتقاد، وهذه الضوابط عند تركها للقضاة يمكن أن تشكل خطرًا، فالآداب العامة يمكن أن تحدد بمفهوم واسع جدًا.

ويرى القاضي عمر الوسلاتي، وهو قاضي مختص في قضايا الحريات العامة بتونس، أن القوانين التي تقيد الحقوق، لا يجب أن تنال من جوهرها ([2]).

وقد أولت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، أهمية قصوى لتنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ([3]) وأعدت دراسة حول الآثار المترتبة على حقوق الإنسان من التطورات المتعلقة بالحالات المعروفة باسم حالات الحصار والطوارئ، حيث أصبح تفسير وتطبيق بنود التقييد الواردة في العهدين من الأمور التي أثارت قلقاً بالغاً، وقد سعت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان، في آرائها الفردية المعتمدة بموجب البروتوكول الاختياري، وكذلك في تعليقاتها العامة، إلى ضمان ذلك. يتم تفسير تلك البنود من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتطبيقها بطريقة تتفق مع أهداف وأغراض العهد.

الأمر الذي دعا عدد من المنظمات غير الحكومية برعاية مؤتمر دولي رفيع المستوى بشأن التقييد وعدم التقيد بأحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. انعقد المؤتمر في سيراكوزا (إيطاليا) في الفترة من 30 أبريل إلى 4 مايو 1984.)[4]( برعاية لجنة الحقوقيين الدولية والرابطة الدولية لقانون العقوبات، والرابطة الأمريكية للجنة الحقوقيين الدولية، ومعهد مورغان الحضري لحقوق الإنسان، والمعهد الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية، ونتج عن المؤتمر ما عرف بمبادئ سيراكوزا ([5]) بشأن القيود والاستثناءات الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”.  وقد نصت المبادئ أن القيود المفروضة على حقوق الإنسان بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يجب أن تفي بمعايير الشرعية، والضرورة المسندة بالأدلة، والتناسب، والتدرج.

تضمن قانون الجرائم الإلكترونية عددًا من المصطلحات الفضفاضة في عدد من مواده، مثل المادة (34) والمادة (37) والتي تمنح للجهات القضائية سلطة تقديرية واسعة للحد من حرية التعبير على الإنترنت. إذ جاء في المادة (37) أنه يعاقب بالسجن لمدة قد تصل إلى خمسة عشر عامًا وغرامة مالية باهظة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ليبي كل من بث إشاعة، أو نشر معلومات، أو بيانات، تهدد الأمن أو السلامة العامة في الدولة، أو أي دولة أخرى.

وهذه المواد قد تستخدم لاستهداف الصحفيين، أو النشطاء، أو غيرهم من مستخدمي الإنترنت، في حال نشروا عن أي انتهاكات في مجال حقوق الإنسان. فعادة ما تستخدم الحكومات عبارة “مخالف للآداب العامة” كذريعة لاستهداف وسائل الإعلام والصحفيين.

ومن المواد التي تشكل خطرًا في هذا القانون، المادة رقم (35) التي تنص على المعاقبة بالحبس وبغرامة لا تزيد على 3000 ثلاثة آلاف دينار لكل من علم بارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو بالشروع فيها وكان بإمكانه تبليغ الجهات المختصة ولم يفعل.

يستهدف هذا القانون في المادة (13) والمادة (47) الصحفيين الاستقصائيين على وجه التحديد، فقد يمكن للقضاة استخدامهما ضد كل من يعمل في مجال صحافة البيانات، وبمقتضاه لن يمكن لليبيين المشاركة في تحقيقات استقصائية عابرة للحدود.

وتعاقب المادة (21) بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من مزج أو ركب بغير تصريح مكتوب أو إلكتروني من صاحب الشأن صوتاً أو صورة لأحد الأشخاص باستخدام شبكة المعلومات الدولية أو بأي وسيلة إلكترونية أخرى بقصد الإضرار بالآخرين.  وهذه المادة لا تقدم استثناءات فيما يتعلق بالشخصيات العامة أو السياسية.

كما أباح القانون مبدأ الرقابة الشاملة وحجب المواقع والمحتوى، حيث أشارت المادة (7) أنه يجوز للهيئة الوطنية الأمن وسلامة المعلومات مراقبة ما ينشر ويعرض عبر شبكة المعلومات الدولية أو أي نظام تقني آخر، وحجب كل ما ينشر النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره أو المساس بسلمه الاجتماعي، ولا يجوز مراقبة الرسائل الإلكترونية أو المحادثات إلا بأمر قضائي يصدر عن القاضي الجزئي المختص.

والهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات، هيئة تابعة للحكومة، منحها القانون حجب المواقع والمحتوى دون أحكام قضائية، وذلك تحت مبرر شبهة إثارة النعرات العنصرية، أو الجهوية، أو الأفكار الدينية، أو المذهبية المتطرفة التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره.

وفي المادة رقم (9) يمنع القانون أي شخص، أو جهة إنتاج، أو حيازة، أو توفير، أو توزيع، أو تسويق، أو تصنيع، أو استيراد، أو تصدير وسائل التشفير دون ترخيص، أو تصريح من الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات. مما يعني أن يمكن منع استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي المشفرة، مثل WhatsApp، وSignal، وغيرها، وهو أمر يهدّد السلامة والأمن الرقمي، ويحدّ من تمكين المواطنين من حقهم في حماية خصوصيتهم، ومعطياتهم الشخصية ومراسلاتهم على الإنترنت، وضمان سريتها بعيدًا عن الرقابة.

 قانون بأسلوب رد الفعل

صيغ قانون الجرائم الإلكترونية بأسلوب رد الفعل، حيث جاء للرد على حالة الفوضى الاستثنائية في البلاد، والقوانين يجب أن تصاغ لتتوافق مع حالة الاستقرار.

وقد جاءت مواده القانون سالبة للحرية، وتمنح السلطات الحرية الكاملة لاستهداف النشطاء وتقييد حرية الصحافة والنشر. إضافة إلى أن القانون يسمح بالرقابة الشاملة على كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حجب المواقع والمحتوى دون إذن من السلطة القضائية. مكافحة الجريمة الإلكترونية مطلوب، ولكن ليس من خلال الحجب والمراقبة القبلية، والنصوص الفضفاضة السالبة للحرية.

القانون يتعارض مع المنظومة الحقوقية الدولية التي وقعت عليها ليبيا، والإعلان الدستوري، وقد تم التصويت قبل عرضه على منظمات المجتمع المدني المعنية بالعمل الإعلامي، والحقوقي، وحتى دون التشاور مع المؤسسات الرسمية في الدولة.

منح القانون الهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات، حق حجب المواقع والمحتوى الإلكتروني دون أحكام قضائية، وهي هيئة تقنية تابعة للحكومة، لا علاقة لها بالمحتوى الإعلامي الإخلالات المهنية التي قد يتم ارتكابها عبر الإنترنت، وذلك تحت مبرر شبهة إثارة النعرات العنصرية، أو الجهوية، أو الأفكار الدينية، أو المذهبية المتطرفة التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره.  وكان من الأولى إسناد هذه المهمة لهيئة مختصة برصد المحتوى الإعلامي كالهيئة العامة لرصد المحتوى الإعلامي.

 

[1] https://www.accessnow.org/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9/

[2] جزء من لقاء خاص مع الباحث والقاضي التونسي، الدكتور عمر الوسلاتي

[3]  https://www.ohchr.org/ar/instruments-mechanisms/instruments/international-covenant-economic-social-and-cultural-rights

[4]  https://www.icj.org/siracusa-principles-on-the-limitation-and-derogation-provisions-in-the-international-covenant-on-civil-and-political-rights/

[5]  https://www.icj.org/wp-content/uploads/1984/07/Siracusa-principles-ICCPR-legal-submission-1985-eng.pdf

المراجع:

  1. بيان منظمة access now وعدد من المنظمات المحلية والدولية حول مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المسرب للعام 2021م. https://www.accessnow.org/%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%B1%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9/
  2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
  3. مؤتمر في سيراكوزا (إيطاليا) في الفترة من 30 أبريل إلى 4 مايو 1984.
  4. مبادئ سيراكوزا

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى