ليبيا .. قوانين ضد حرية الرأي والتعبير

كيف تتأكل حرية الرأي والتعبير في ظل قصور منظومة التشريعات الليبية

تحقيق: جلال عثمان 

تفاجأ الصحفي الليبي أحمد السنوسي بأغرب سؤال يمكن أن يطرح على صحفي، ضمن جلسة التحقيق التي خضع لها في إحدى المؤسسات الأمنية، بعد إلقاء القبض عليه في العاصمة طرابلس في 11 يوليو 2024، بتهمة التشهير، والإساءة لوزير الاقتصاد.

السنوسي الذي أضطر للسفر من العاصمة تونس، إلى طرابلس بسبب الضغوطات التي مارسها جهاز أمني على رئيس تحرير الموقع الإلكتروني الذي يملكه، والمتخصص في الشؤون الاقتصادية، قال لنا: أنه لم يكن يتوقع أن يكون ضمن الأسئلة التي وجهت له، سؤال عما إذا كان يملك أي تصريح بممارسة العمل الصحفي.

الصحفي أحمد السنوسي

السنوسي اللاجئ الآن في هولندا مع زوجته وابنته، أضاف أنه من ضمن التهم الموجهة إليه تسريب وثائق حكومية عبر برنامجه التلفزيوني “فلوسنا” الذي كان يقدمه عبر تلفزيون الوسط، والتهجم على شخصيات أمنية عبر حسابه في موقع فيسبوك.

ويذكر أن النيابة العامة قد أفرجت عن السنوسي في 14 يوليو 2024، ونشرت له إحدى الجهات الأمنية اعترافات مصورة، رغم أن ليبيا كانت قد وقعت على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في المادة (11) أن “كل شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.

كما تنص المادة (59) من قانون الإجراءات الجنائية، “تعتبر إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار، ويجب على المحققين وأعضاء النيابة العامة ومساعديهم من كتاب وخبراء وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق، أو يحضرونه بسبب وظيفتهم أو مهنتهم عدم إفشائها، ومن يخالف ذلك منهم يعاقب طبقاً للمادة (236) من قانون العقوبات.

إضافة إلى منشور وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية رقم (1) لسنة 2024 بشأن احترام حقوق الإنسان أثناء القبض على المتهمين، الذي نص في الفقرة (13) إلى “عدم القيام بنشر صور أو اعترافات من يتم القبض عليه على صفحات التواصل الاجتماعي باعتبار أن ذلك ينطوي عليه التشهير بشخص المتهم المقبوض عليه والذي يُعد بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي نهائي.

وهنا تعود بنا الذاكرة إلى شهر ديسمبر من العام 2019 حيث اختطف الصحفي، رضا فحيل البوم، رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل، فور خروجه من مطار معيتيقة في العاصمة طرابلس، بعد عودته من تونس، ليتبين لاحقًا، أن مليشيا مسلحة، قد اقتادته لمكان غير معروف، دون إذن قضائي، وبعد أن أصدرت منظمات دولية، ومحلية بيانات إدانة ضد الحادثة، والتي أدانها حينها وزير الداخلية فتحي باشاغا، وقد سلمت المليشيا الصحفي فحيل البوم إلى سجن الجديدة، ليواجه تهمة ممارسة العمل دون ترخيص.

أكثر من نصف مواد قانون المطبوعات مواد عقابية ومعيقة لحرية الرأي والتعبير

الدكتور محمد الأصفر رئيس مجلس إدارة المركز الليبي لحرية الصحافة، وعضو لجنة تعديل القوانين ذات العلاقة بحرية التعبير، المشكلة من قبل رئيس المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان (مؤسسة مستقلة تأسست وفق القانون رقم (5) لسنة 2011) قال: قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 هو القانون الإعلامي الوحيد المعمول به حاليًا على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على صدوره، أي تجاوزه الزمن، ولم يواكب كافة التطورات التقنية، وثورة الاتصال والمعلومات، وعصر الفضائيات والبث المباشر.

الدكتور محمد علي الأصفر

وأضاف الأصفر، الذي تولى في السابق رئاسة لجنة تعديل قانون المطبوعات، المشكلة من قبل رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل: يتضمن هذا القانون 52 مادة أكثر من نصفها مواد عقابية ورادعة ومعيقة لحرية الرأي والتعبير، وبهذا فهو لا يتوافق مع المعايير والمواثيق الدولية، ومن أهمها عدم ضمانه لحقوق الصحفيين المادية والمعنوية والتعاقدية، كما أنه لا يتضمن بشكل صريح مدونات سلوك أخلاقية لمهنة الإعلام والصحافة تستند على تلك المعايير، ولم يشر في ديباجته على الاستناد عليها، وعلى الرغم من وجود بعض المواد التي تتحدث عن حرية الرأي والتعبير، والملكية الخاصة للمطبوعات، وعدم المراقبة القبلية لتلك الوسائل، ولكن تلك المواد تتعارض مع مواد أخرى ترسخ الرقابة والتحكم في الصحافة، كما أن الواقع العملي الذي كان سائدًا لا يسمح بوجود مطبوعات خاصة، ولم يتمكن أي صحفي من الحصول على ترخيص يسمح له بإصدار مطبوعة ما، لأن الموافقة كما يشير القانون تأتي من وزير الإعلام الذي لم يتخذ أي قرار بذلك.

قانون المطبوعات يتعارض مع الإعلان الدستوري 

الدكتور محمد الأصفر الذي يتولى تدريس مادة الصحافة في عدد من الجامعات الليبية، أكد أن قانون المطبوعات المشار إليه يتعارض مع الإعلان الدستوري الصادر سنة 2011 وتعديلاته، وبخاصة المادة (14) منه التي تضمن الدولة فيها حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة، ووسائل الإعلام، والطباعة، والنشر.  وقد نص الإعلان الدستوري – بحسب الأصفر – على إيقاف العمل بالقوانين التي تتعارض معه، وبذلك يفترض أن يكون قانون المطبوعات في حكم المجمد بالرغم من أن القضاء لا يوجد أمامه قانون له علاقة بالعمل الإعلامي غيره.

رئيس المجلس الرئاسي يجتمع برئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل

حول مشروع قانون الإعلام الجديد، قال الدكتور محمد الأصفر، أنه بعد استكمال اللجنة المشكلة من إعداد قانون تنظيم الإعلام في ليبيا عرضته على العديد من الإعلاميين والمهتمين بالشأن الإعلامي، وكذلك القانونيين، والأكاديميين، وقامت بإعداد ورش عمل حوله، حضرها عدد من أعضاء البرلمان، وأعضاء المجلس الأعلى للدولة، كما اطلع رئيس المجلس الرئاسي عليه، وتم عرضه أيضًا على بعض المنظمات الدولية المتخصصة بالإعلام، ومن خلال ذلك تلقت اللجنة بعض الملاحظات كإضافة مصطلحات جديدة، أو تعديل مواد، أو حذفها تم تقليص مواده إلى 73 مادة، وحذف المواد المتعلقة بالانتخابات، والتركيز على كل ما يتعلق بالشأن الإعلامي المطبوع، والمسموع، والمرئي، والإلكتروني، وتم إحالته إلى البرلمان حتى يتم البث فيه.

المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان يشكل لجنة لمراجعة القوانين المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان

وعن دور المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، وصف الأصفر، أن دخوله على خط تحديث القوانين ذات العلاقة بحرية الرأي والتعبير كان إيجابيًا، وقال إن المجلس قد شكل لجنة من الخبراء والقانونيين، والأكاديميين، لمراجعة مشاريع القوانين المتعلقة بالحريات وحقوق الإنسان، وعلى رأسها مشروع قانون تنظيم الإعلام، ومشروع قانون منظمات المجتمع المدني، ومشروع قانون حق التظاهر السلمي. وأكد أن اللجنة ستتواصل مع رئيس مجلس النواب، ونوابه، وأعضاء اللجنة التشريعية من أجل متابعة تلك المشاريع، وإعادة عرضها بعد المراجعة، والتنقيح النهائي، عن طريق المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان.

جانب من اجتماعات لجنة صياغة قانون الإعلام

الصحفي إسماعيل بوزريبة الزوي تحصل على أقسى عقوبة في تاريخ ليبيا

إسماعيل بوزريبة الزوي، صحفي من مدينة اجدابيا (165 كلم غرب مدينة بنغازي) تحصل على الحكم الأكثر قساوة في تاريخ الصحافة الليبية، إذ قضت محكمة بنغازي العسكرية بالحكم عليه بالسجن لمدة 25 سنة، بتهمة الإرهاب. الزوي قال: لقد تمت محاكمتي في محكمة عسكرية في يونيو 2020، بنصوص مسودة قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2018، بعد أن تم تسريب النسخة الأولى منه، أي حتى قبل اعتماده من مجلس النواب في العام 2022.

الصحفي إسماعيل الزوي

وأضاف الزوي بوصفه أحد المتضررين من الفراغ التشريعي في ليبيا: تم الحكم علي وفق أحكام مواد هذا القانون الذي لا توجد به أي حماية، أو ضمان لحقوق الإنسان، وحرية الرأي والتعبير، ناهيك عن حقوق الصحفيين، لأن جل مواد القانون هي مواد سالبة للحرية، وتمنح السلطات صلاحيات واسعة لقمع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وتقييد حرية الصحافة والنشر.

الجدير بالذكر أن الزوي كان قد تم القبض عليه على خلفية تتعلق بالعمل مع مؤسسة إعلامية محلية يقع مقرها في الغرب الليبي، إلى أن أفرج عنه بقرار عسكري خاص، بعد تدخلات قبلية، وأشارت المنظمة الليبية للإعلام المستقل حينها أن جلسة المحاكمة كانت سرية، لم تتوافر فيها شروط المحاكمة العادلة.

 

صحفيون ليبيون تعرضوا للقتل وواجهوا الإخفاء القسري والقبض التعسفي ومنعوا من التغطية الإعلامية 

لمعرفة عدد الصحفيين الذين تعرضوا لانتهاكات، اتجهنا لرئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل، الصحفي رضا فحيل البوم، وقد أفادنا أن المنظمة قامت منذ إنشائها في نوفمبر 2018 برصد الانتهاكات ضد حرية الصحافة، وأصدرت ثلاثة تقارير مهمة، توثق وتحلل الانتهاكات التي تعرضت لها حرية الصحافة في ليبيا، خلال الفترة الممتدة من أبريل 2018 إلى مايو 2023.

فحيل البوم قال إن إجمالي عدد الانتهاكات التي وثقتها المنظمة في تلك الفترة بلغت 58 انتهاكًا، تنوعت بين اختفاء قسري، وقبض تعسفي، واعتداء جسدي، وقتل، ومنع من التغطية الإعلامية، ومحاكمات عسكرية جائرة، وعنف ضد المرأة الصحفية، وإصدار تشريعات جائرة وقمعية، وغيرها من الانتهاكات.

الصحفي رضا فحيل البوم رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل

وأضاف رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل أن هذه التقارير هي محاولة للكشف عن التحديات والمخاطر التي يواجهها الصحفيون في ممارسة عملهم، ولتوعية المجتمع المحلي والعالمي بأهمية حرية الصحافة والدفاع عنها.

أحيل مشروع قانون الإعلام إلى مجلس النواب للنظر في إمكانية إصداره

أما عن موقف المنظمة من القوانين التي تنظم العمل الإعلامي في ليبيا الآن، أضاف فحيل البوم أن الليبية للإعلام المستقل كانت قد نظمت في ديسمبر 2018 ندوة علمية حول دستورية الإجراءات القانونية للعمل الإعلامي، وشُكلت خلال الندوة لجنة من عدد من القانونيين والأكاديميين والصحفيين وبعض المهتمين من مؤسسات المجتمع المدني من مختلف المناطق في ليبيا، لمراجعة قوانين المطبوعات، وإعداد مسودة قانون لتنظيم الإعلام، ومنذ نهاية 2018 عقدت اللجنة العديد من الاجتماعات، وراجعت عددًا من القوانين ذات العلاقة في ليبيا، وتونس، ومصر، ولبنان للاستفادة من التجارب الدولية في الجوانب القانونية الإعلامية. وتوصلت اللجنة إلى مسودة نهائية لمشروع قانون لتنظيم الإعلام تمت إحالته إلى مجلس النواب للنظر في إمكانية إصداره، وسُمي هذا المقترح (قانون تنظيم الإعلام في ليبيا)، وهو قانون عام يشمل وسائل الإعلام المطبوعة، والمسموعة، والمرئية، والإلكترونية، ويضم 6 أبواب وعددًا من الفصول و82 مادة، تناولت مختلف القضايا والموضوعات ذات العلاقة بالشأن القانوني الإعلامي.

للاطلاع على مشروع قانون الإعلام الليبي اضغط الرابط

الجدير بالذكر أن الصحفي رضا فحيل البوم، هو أحد ضحايا قصور التشريعات القانونية في مجال الإعلام، حيث اختطف في 14 ديسمبر 2019، من داخل مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، ليمثل أمام النيابة في وقت لاحق بتهمة ممارسة العمل الصحفي دون إذن.

قانون الجرائم الإلكترونية لم يشارك في صياغته أصحاب المصلحة 

رئيس المؤسسة الليبية للتقنية أمين صالح، قام بجمع عدد من التوقيعات لأجل إسقاط القانون رقم (5) لسنة 2022 بشأن الجرائم الإلكترونية، ومازال حتى اليوم يحاول حشد المزيد من التأييد لذلك.

صالح قال ركزنا على الجانب الفني في قانون الجرائم الإلكترونية، ووجدنا بوصفنا مؤسسة مجتمع مدني أن موضوع التعريفات في القانون غير واضحة، وكذلك من يطبق القانون حيث عهد ذلك إلى هيئة أمن وسلامة المعلومات، وهي ليست جهة ضبطية، إنما جهة مدنية تقنية معنية بأمن المعلومات، وإصدار السياسات، إضافة أن المادة رقم (9) من القانون قد جرمت وسائل التشفير، ونحن نعلم اليوم أن جميع البرمجيات تعمل بالتشفير من أجل أن يكون هناك اتصال آمن، واشترطت المادة أن يكون هناك تراخيص، ولا يجوز لأي شخص أو جهة حيازة أو توفير أو توزيع، أو تسويق، أو استيراد، أو تصدير وسائل التشفير دون ترخيص، إضافة إلى مراقبة ما ينشر عبر الوسائل التقنية، وأعطى القانون لهيئة أمن وسلامة المعلومات صلاحيات مراقبة ما ينشر، ولم يوضح هل هي مراقبة تقنية أم مراقبة محتوى، وهناك مواد فيها لبس في بعض المصطلحات، مثل كلمة تعطيل أعمال الحكومة، إذ لا يوجد تفسير لمعنى التعطيل.

أمين صالح رئيس المؤسسة الليبية للتقنية

صالح أضاف أن القانون اعتبر أي شخص شهد الجريمة، ونص على معاقبته، وقال: نحن نرى ضرورة وجود قانون للجرائم الإلكترونية، ولكن يجب أن يتم ذلك بمشاركة جميع أصحاب المصلحة من مؤسسات مجتمع مدني، وجهات قضائية، وتشريعية، وتنفيذية، وقطاع خاص، وقطاع عام.

عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب ترحب بأي ملاحظات بخصوص القانون 

بعد ما أفادنا به رئيس المنظمة الليبية للإعلام المستقل، ورئيس المؤسسة الليبية للتقنية، تواصلنا مع عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب الليبي، عائشة الطبلقي، والتي أكدت أن اللجنة لم تستقبل أي طلب بشأن التعديل على القانون رقم (5) لسنة 2022، بشأن الجرائم الإلكترونية، كما أكدت أن اللجنة لم تستلم بعد مشروع قانون الإعلام، والذي أعد بمبادرة من المنظمة الليبية للإعلام المستقل، وقد أبلغناها أننا تحصلنا على مستند يفيد بأن مشروع قانون الإعلام قد استلم بالفعل من قبل رئيس مجلس النواب بتاريخ 8/2/2024، وأحيل إلى رئيس المؤسسة الليبية للإعلام بحكومة أسامة حماد للتشاور بتاريخ 1/4/2024، (مجلس النواب أصدر قراره رقم (1) لسنة 2022 بشأن تكليف فتحي باشاغا رئيسًا للحكومة الليبية، في 16 مايو 2023، وتم تكليف وزير المالية أسامة حماد للقيام بمهام رئيس الوزراء، بدلاً من فتحي باشاغا، بعد نحو 15 شهرًا من توليه المنصب في الحكومة غير المعترف بها دوليًا).

النائبة عائشة الطبلقي

وعن الإجراءات التي تقوم بها المؤسسة الليبية للتقنية، وعدد من النشطاء للطعن في قانون الجرائم الإلكترونية، قالت الطبلقي: إذا كانت هناك أي ملاحظات عن القانون فنحن نرحب بها، والقوانين تعدل أكثر من مرة، ونأمل من هذه المؤسسة التواصل معنا بالخصوص.

قانون غير دستوري ويسمح بالرقابة الشاملة 

بالاطلاع على قانون الجرائم الإلكترونية، وجدنا أنه قد صيغ بأسلوب رد الفعل، حيث جاء للرد على حالة الفوضى الاستثنائية في البلاد، وقد جاءت مواده سالبة للحرية، وتمنح السلطات الحرية الكاملة لاستهداف النشطاء وتقييد حرية الصحافة والنشر. إضافة إلى أن القانون يسمح بالرقابة الشاملة على كل ما ينشر على شبكات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حجب المواقع والمحتوى دون إذن من السلطة القضائية.

والقانون يتعارض مع الإعلان الدستوري، والمنظومة الحقوقية الدولية التي وقعت عليها ليبيا، وقد تم التصويت عليه قبل عرضه على منظمات المجتمع المدني المعنية بالعمل الإعلامي، والحقوقي، وحتى دون التشاور مع المؤسسات الرسمية في الدولة.

منح القانون الهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات، حق حجب المواقع والمحتوى الإلكتروني دون أحكام قضائية، وهي هيئة تقنية تابعة للحكومة، لا علاقة لها بالمحتوى الإعلامي والإخلالات المهنية التي قد يتم ارتكابها عبر الإنترنت، وذلك تحت مبرر شبهة إثارة النعرات العنصرية، أو الجهوية، أو الأفكار الدينية، أو المذهبية المتطرفة التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره.

قانون يستهدف الصحفيين والنشطاء 

تضمن قانون الجرائم الإلكترونية عددًا من المصطلحات الفضفاضة في عدد من مواده، مثل المادة (34) والمادة (37) والتي تمنح للجهات القضائية سلطة تقديرية واسعة للحد من حرية التعبير على الإنترنت. إذ جاء في المادة (37) أنه يعاقب بالسجن لمدة قد تصل إلى خمسة عشر عامًا وغرامة مالية لا تقل عن عشرة آلاف دينار ليبي (1600 دولار في السوق الموازي) كل من بث إشاعة، أو نشر معلومات، أو بيانات، تهدد الأمن أو السلامة العامة في الدولة، أو أي دولة أخرى.

وهذه المواد قد تستخدم لاستهداف الصحفيين، والنشطاء، أو غيرهم من مستخدمي الإنترنت، في حال نشروا عن أي انتهاكات في مجال حقوق الإنسان. فعادة ما تستخدم الحكومات عبارة “مخالف للآداب العامة” كذريعة لاستهداف وسائل الإعلام والصحفيين.

ومن المواد التي تشكل خطرًا في هذا القانون، المادة رقم (35) التي تنص على المعاقبة بالحبس وبغرامة لا تزيد على 3000 ثلاثة آلاف دينار لكل من علم بارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون أو بالشروع فيها وكان بإمكانه تبليغ الجهات المختصة ولم يفعل.

يستهدف هذا القانون في المادة (13) والمادة (47) الصحفيين الاستقصائيين على وجه التحديد، فقد يمكن للقضاة استخدامهما ضد كل من يعمل في مجال صحافة البيانات، وبمقتضاه لن يتمكن الصحفيون الليبيون من المشاركة في تحقيقات استقصائية عابرة للحدود.

وتعاقب المادة (21) بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من مزج أو ركب بغير تصريح مكتوب أو إلكتروني من صاحب الشأن صوتاً أو صورة لأحد الأشخاص باستخدام شبكة المعلومات الدولية، أو بأي وسيلة إلكترونية أخرى بقصد الإضرار بالآخرين، وهذه المادة لا تقدم استثناءات فيما يتعلق بالشخصيات العامة أو السياسية.

حجب المواقع والمحتوى دون إذن قضائي 

كما أباح القانون مبدأ الرقابة الشاملة، وحجب المواقع والمحتوى، حيث أشارت المادة (7) أنه يجوز للهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات مراقبة ما ينشر ويعرض عبر شبكة المعلومات الدولية، أو أي نظام تقني آخر، وحجب كل ما ينشر النعرات أو الأفكار التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره، أو المساس بسلمه الاجتماعي، ولا يجوز مراقبة الرسائل الإلكترونية أو المحادثات إلا بأمر قضائي يصدر عن القاضي الجزئي المختص.

والهيئة الوطنية لسلامة وأمن المعلومات، هيئة تابعة للحكومة، منحها القانون صلاحيات حجب المواقع والمحتوى دون أحكام قضائية، وذلك تحت مبرر شبهة إثارة النعرات العنصرية، أو الجهوية، أو الأفكار الدينية، أو المذهبية المتطرفة التي من شأنها زعزعة أمن المجتمع واستقراره.

وفي المادة رقم (9) ينص القانون على منع أي شخص، أو جهة إنتاج، أو حيازة، أو توفير، أو توزيع، أو تسويق، أو تصنيع، أو استيراد، أو تصدير وسائل التشفير دون ترخيص، أو تصريح من الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات. مما يعني أنه يمكن منع استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعي المشفرة، مثل WhatsApp، وSignal، وغيرها، وهو أمر يهدّد السلامة والأمن الرقمي، ويحدّ من تمكين المواطنين من حقهم في حماية خصوصيتهم، ومعطياتهم الشخصية ومراسلاتهم على الإنترنت، وضمان سريتها بعيدًا عن الرقابة.

قانون ينظم الإعلام عمره قرابة نصف قرن ولم يتغير 

كما اطلعنا على قانون المطبوعات رقم (76) لسنة 1972، والذي يضم (51) مادة لم تذكر فيها تعريفًا واحدًا لمن هو الصحفي، ومواده عبارة عن نصوص فضفاضة، وتتعارض مع المواثيق الدولية التي وقعت عليها ليبيا، إذ نصت المادة (27) من القانون على أن لوزارة الإعلام بعد التشاور مع وزارة الوحدة والخارجية أن تطلب من الجهة المختصة أن تدرج في قوائم الممنوعين كل صحفي أجنبي ينشر الأكاذيب والافتراءات والدعايات المغرضة بقصد الإضرار بالبلاد والإساءة إلى سمعتها. ولم يحدد القانون ما هي الافتراءات والدعايات المغرضة.

نصت الفقرة الخامسة من المادة (29) أنه لا يجوز أن ينشر في أية مطبوعة التشكيك في أهداف الثورة ومبادئها، وفي المادة السادسة لا يجوز نشر الدعوة إلى حكم الطبقة أو الفرد. وهنا يتضح مدى الزمن الذي تجاوز القانون، كونه لم يعد يلبي ضرورات المرحلة.

للاطلاع على قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972 اضغط الرابط

كما نصت المادة (35) من القانون أنه: “تخضع الدعاوى المتعلقة بجرائم المطبوعات لقانون الإجراءات الجنائية وتخصص نيابة للصحافة تتولى التحقيق في هذه الجرائم، على أن تكون مباشرتها التحقيق وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم المنصوص عليها في المواد 18، 22، 25، 26، 28، 29، 32 من هذا القانون بناءً على إذن من الوزير المختص، وذلك بالإضافة إلى إذن المتضرر في الحالات التي يتطلب فيها القانون هذا الإذن. ويتم الفصل في جرائم المطبوعات على وجه السرعة”.

ويمكن قراءة هذه المادة من جانب إيجابي كون أن مباشرة التحقيق وإقامة الدعوى العمومية في الجرائم المنصوص عليها في المواد 18، 22، 25، 26، 28، 29، 32 من القانون لا تتم إلا بناء على إذن من الوزير المختص، غير أنه ومن الجانب الآخر في دولة ليست بها أي ضمانات في مجال حقوق الإنسان، قد تستخدم الجهات الحكومية هذه المادة ضد صحفيين بعينهم، ويمكن ألا يتم منح الإذن بالنسبة للصحفيين الذين يرتبطون بعلاقات جيدة مع الحكومة.

الجهة التشريعية سنت قانون ضد التجمع السلمي

عن المحاولات التي تبذلها مؤسسات المجتمع المدني المختصة بمجال الإعلام، حدثنا مدير شبكة أصوات للإعلام حسام الطير، عن الجهود التي تبذلها الشبكة والمتمثلة في المساهمة في صياغة مشروع قانون المطبوعات الجديد، ومشروع قانون تكوين الجمعيات، وكتابة مشروع قانون التجمع السلمي، وقال الطير – عضو ومقرر لجنة تعديل القوانين ذات العلاقة بحرية التعبير – أن الشبكة قامت بحملات مناصرة محليًا مع صناع القرار، والجهات التشريعية، والرقابية، والاستشارية، ودوليًا مع بعثة الأمم المتحدة ومقرريها الخواص المعنيين بهذه الحقوق، كما اقترحت على المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان تشكيل لحنة لمراجعة القوانين.

وعن قانون المطبوعات المعمول به حتى اليوم، قال مدير شبكة أصوات، أنه رغم مرور أكثر من عقد من الزمن، إلا أن الجهات التشريعية لم تقم بصياغة أي قانون جديد يضمن حرية الرأي والتعبير، وأيضًا لم تقم بإلغاء أي من القوانين القمعية، مثل قانون المطبوعات رقم (76) لسنة 1972 وقانون تكوين الجمعيات رقم (19) لسنة 2001 بل بالعكس زادت من التضييق من خلال سن المؤتمر الوطني العام (مجلس النواب) قانون ينظم التجمع السلمي رقم ْ(65) لسنة 2012 وسن مجلس النواب قانون رقم (5) لسنة 2022 المعني بالجرائم الإلكترونية، والتي تتعارض مع الإعلان الدستوري وتعديلاته، وكذلك تتعارض مع العهد الدولي.

وعن تداعيات هذه القوانين أضاف الطير، أنه ما تزال الحكومات المتعاقبة تمارس سياسة التضييق، من خلال تفعيل وتنفيذ تلك القوانين، مما دفع نشطاء المجتمع المدني، والصحفيين لمغادرة البلاد، وبعضهم اختار البقاء والتزام الصمت خوفًا من الملاحقات الأمنية التي تفضي إلى السجن، أو الإخفاء القسري، كما أشار إلى أن شبكة أصوات تعمل بالشراكة مع المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، من خلال تشكيل لجنة تعمل على مراجعة هذه القوانين حتى يتم تقديمها لمجلس النواب على أمل سنها.

إعلان دستوري شبه معطل 

ضمن الإعلان الدستوري الليبي المؤقت تساوي جميع المواطنين من حيث التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة، ومنع التمييز القائم على الدِّين، أو المذهب، أو اللغة، أو الثروة، أو الجنس، أو النسب، أو الآراء السياسية، أو الوضع الاجتماعي، أو الانتماء القبلي، أو الجهوي، أو الأسرى. وفي باب الحقوق والحُريات العامة، أقر الإعلان صيانة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، والسعي إلى الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تحمي هذه الحقوق والحريات، رغم ذلك شهدت حقوق الإنسان تردي كبير، مما دعا العديد من المؤسسات الدولية إلى إصدار تقارير تصف فيها ليبيا أنها وصلت إلى أدنى لها في مجال الحريات العامة، ناهيك عن مؤشرات حرية الصحافة، حيث وصلت ليبيا إلى المرتبة 165 عالميًا في العام 2021 – بحسب مراسلون بلا حدود – فيما تحسن ترتيبها في العام 2022 ليصل إلى المرتبة 143، والمرتبة151 عالميًا، فيما فقدت 6 نقاط في العام 2023، لتحل في الترتيب 143 عالميًا و10 عربيًا في العام 2024، وفق التصنيف العالمي لحرية الصحافة.

قوانين مخالفة للدستور

وتنص المادة (12) من الإعلان الدستوري أنه لحياة المُواطنين الخاصة حُرمة يحميها القانون، ولا يجوز للدولة التجسس عليها إلا بإذن قضائي وفقاً لأحكام القانون، وفي المادة (13) للمُراسلات والمُحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال حُرمتها وسريتها، وهما مكفـولتان، ولا تجـوز مُصـادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمرٍ قضائي، ولمدة مُحددة، ووفقاً لأحكام القانون، وفي المادة (14) تضمن الدولة حرية الرأي، وحرية التعبير الفردي والجماعي، وحرية البحث العلمي، وحرية الاتصال، وحرية الصحافة ووسائل الإعلام والطباعة والنشر، وحرية التنقل، وحرية التجمع والتظاهر والاعتصام السلمي، وبما لا يتعارض مع القانون. غير أن الكثير من المواد في قوانين العقوبات، وفي قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون المطبوعات، تنتهك الحريات العامة وحقوق الإنسان بشكل واضح، ولم يتم تعطيلها كما نص الإعلان الدستوري، وهذا الانتهاك لم يأت من الجهات التنفيذية، أو الجماعات المحسوبة عليها فقط، بل من مجلس النواب ذاته، الذي أصدر عددًا من القوانين السالبة للحرية، والتي لا تتفق أيضًا مع المواثيق الدولية، مثل قانون مكافحة الإرهاب، والقوانين المشار لها آنفًا، وهذه القوانين أدت إلى انعدام الثقة في المؤسسة التشريعية، والمؤسسات الحكومية، وحال دون تقدم البلاد في مجالات التنمية الاقتصادية والسياسية، وأصبح الإعلان الدستوري شبه معطل.

للاطلاع على الإعلان الدستوري لسنة 2011 وتعديلاته اضغط الرابط

الانقسام السياسي وأشياء أخرى

بعد أن تتبعنا جل خيوط هذه القضية، وجدنا بين سطورها عقبة أساسية حالت دون قيام مجلس النواب بالاضطلاع بمهامه على صعيد تحديث المنظومة التشريعية في البلاد وفق المبادئ الحقوقية الدولية، ووفق الإعلان الدستوري، وهي الانقسام السياسي، وتمديد مجلس النواب لنفسه في مخالفة واضحة للإعلان الدستوري، حيث تحول إلى مؤسسة سياسية، ليست من أولوياتها تحديث القوانين، كما أضعف وجود حكومتين متنازعتين المؤشرات الحقوقية، وسمح بانتشار ثقافة انتهاك حقوق الإنسان، وتأخر الاستقرار والتنمية الحقيقية، والتي لا يمكن أن تتحقق دون وجود حريات عامة، وصحافة حرة.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى