تحقيق: إيمان بن عامر
في ليبيا وخاصة في المناطق الريفية، تلعب الأعراف الاجتماعية دورًا بارزًا في استمرار ظاهرة زواج القاصرات، كما أن الحفاظ على الشرف أمر هام جدًا، إذ تُعتبر الفتاة مصدرًا لشرف العائلة، وزواجها المبكر في نظر البعض يحمي هذا الشرف، بالإضافة إلى الفقر، والتحديات الاقتصادية عامل كبير، حيث ترى بعض العائلات الفقيرة في تزويج الفتيات وسيلة لتخفيف العبء الاقتصادي، كما تلعب الضغوط الاجتماعية دورًا كبيرًا قد تُجبر الفتاة على الزواج لإرضاء أعراف المجتمع، حتى لو كانت غير مستعدة.
ولكن كيف يتم معالجة القضية بوعي وفعالية، هل تلعب التوعية المجتمعية دورًا في معالجة ذلك ربما يكون التثقيف الديني أمر هام لأنه من الضروري وجوب توعية العائلات بمعنى الزواج في الإسلام، وأهمية الاستعداد له، كما أن التركيز على التعليم من الأمور الضرورية لدى الفتيات، أي يجب تمكين الفتيات من استكمال تعليمهن ليكن قادرات على اتخاذ قراراتهن، حيث يعد زواج القاصرات ليس فقط قضية دينية أو اجتماعية، بل هو انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية.
طفولة ضائعة في ظل التقاليد
تحكي فاطمة (اسم مستعار)، فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، عن قصة زواجها المرير من صديق والدها الذي يكبرها بثلاثين عامًا، وهي الكبرى بين إخوتها الستة، وتعيش مع أسرتها في إحدى القرى الصغيرة بالجبل الغربي في ليبيا، قائلةً: عشت طفولتي في منزل متواضع وسط عادات وتقاليد تحكم كل تفاصيل حياتنا، وكنت أحب المدرسة رغم الظروف الصعبة التي تواجهها الفتيات للحصول على التعليم، وحلمت بأن أصبح طبيبة لمساعدة أهل قريتي الذين يعانون من أمراض لا يجدون لها علاجًا.
لكن أحلام فاطمة بدأت تتلاشى عندما أبلغها والدها ذات ليلة أنه قرر تزويجها لصديقه، الرجل الذي يسعى للزواج من فتاة صغيرة، بعد أن عجز عن إنجاب الأبناء من زوجته الأولى، التي لم تنجب سوى البنات.
أضافت فاطمة: حاولت رفض الزواج، وأردت مواصلة دراستي وتحقيق أحلامي، لكن صوتي لم يكن مسموعًا في مجتمع يرى الفتاة مصدرًا للشرف والارتباط القبلي، أكثر من كونها إنسانًا له طموحات وأحلام.
حياة جديدة محطمة
خلال أسابيع قليلة وجدت فاطمة نفسها مجبرة على ترك مدرستها وطفولتها، لتصبح زوجة لرجل لم تختره، وقد وصفت لنا تجربتها حول الحياة الجديدة بأنها قاسية جدًا، تحملت مسؤوليات تفوق عمرها بكثير، من أعمال المنزل، إلى إرضاء الزوج الذي لم يهتم بمشاعرها أو بصغر سنها. حاولت التواصل مع والدتها علّها تقف بجانبها، لكنها كانت تردد: يا بنتي، ارضي بقدرك، هكذا كبرنا وهكذا يجب أن تكوني، هذه نصيحة والدتها التي تؤمن بالعادات والتقاليد.
مع مرور الوقت، بدأت فاطمة تعاني من أزمات نفسية وصحية، وفي سن مبكرة، حملت، ما زاد من معاناتها الجسدية والنفسية، وحكت لنا بأنها كانت في أحد الأيام، أثناء زيارتها للمستشفى بسبب مضاعفات الحمل، والتقت بممرضة من فريق طبي قادم من طرابلس يعمل على توعية النساء بحقوقهن الصحية والاجتماعية، كانت هذه اللحظة بداية لتغير حياتها.
مواجهة المجتمع
بعد أن وثقت بالممرضة، سردت لها قصتها، وبدأت تتلقى الدعم من منظمة حقوقية مختصة بحماية النساء والفتيات القاصرات، بفضل الجهود القانونية والاجتماعية، تمكنت فاطمة من الانفصال عن زوجها والعودة إلى منزل عائلتها، ولكن هذه المرة بدعم قوي من الجهات التي ساعدتها.
وتابعت: قررت أن أتحدى الظروف وأعود إلى المدرسة رغم نظرات المجتمع وانتقاداتهم، وأريد أن أكون صوتًا لكل فتاة تعيش الظلم الذي عشته، وأن أثبت أن الأحلام لا يجب أن تُدفن تحت عباءة التقاليد.
نهاية مفتوحة بالأمل
قصة فاطمة تمثل صوتًا قويًا يطالب بالتغيير في مجتمع مايزال أسير العادات. عودتها إلى التعليم ليست فقط استعادة لحلمها، بل رسالة لكل فتاة بأن حقها في الحياة والاختيار أهم من قيود التقاليد.
قراءة قانونية واجتماعية
قال المحامي مفتاح قناو: الواقع الليبي في ملف زواج القاصرات مؤلم جدًا، حيث تنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير، خصوصًا في مناطق الدواخل وجنوب البلاد، وتابع: ساهم قانون الأحوال الشخصية الليبي في تعزيز هذا الواقع، إذ منح أولياء الأمور صلاحية تزويج القاصرات بشرط الحصول على إذن من القاضي، الذي – يا للأسف – لا يتردد غالبًا في إصدار الموافقة بناءً على طلب ولي الأمر.
أرقام مجهولة وحوافز مغرية
رغم عدم وجود إحصائيات رسمية صادرة عن الحكومات الليبية المتعاقبة بشأن عدد حالات زواج القاصرات، يكشف قناو عن مشاهداته العملية، وذلك من خلال عمله في المحاكم، وقال: أن الحالات تتجاوز عدة مئات سنويًا، خاصة في السنتين الأخيرتين بعد استحداث “منحة الزواج” حيث أقدم عدد كبير من أولياء الأمور على تزويج بناتهم القاصرات طمعًا في المال، وتخفيفًا من أعباء تكاليف الأفراح.
ويوضح قناو أن أسباب الظاهرة بين الحاجة والعادات، حيث أن زواج القاصرات في ليبيا يعود إلى عوامل منها الأسباب المادية، والأوضاع الاقتصادية التي تدفع أولياء الأمور إلى تزويج بناتهم بأسرع وقت ممكن، خاصة إذا كان الزوج ميسور الحال، أو إذا كانت الشروط المالية سهلة المنال، بالإضافة إلى الخوف من العنوسة، إذ يخشى الأهل أن تفوت بناتهم فرصة الزواج مع التقدم في العمر، لذلك يسارعون بتزويجهن حتى قبل بلوغ السن القانونية.
كما أن صندوق دعم الزواج والمنحة التي يقدمها الصندوق شجعت العديد من العائلات على تزويج بناتهم طمعًا في الاستفادة المادية، بغض النظر عن التأثير السلبي على الفتيات.
وأشار قناو إلى القوانين الليبية بين التشريع والتطبيق حيث إن التشريعات الليبية المتعلقة بسن الزواج مرت بمراحل مختلفة، القانون رقم (10) لسنة 1984، الذي حدد سن الزواج بـ 20 عامًا، مع منح القاضي صلاحية الإذن بزواج القاصر تحت ظروف معينة، بالإضافة إلى القانون رقم (14) لسنة 2015، الذي خفض السن القانونية للزواج إلى 18 عامًا، مع استمرار إمكانية الإذن بزواج الفتيات تحت هذا السن.
واعتبر أن هذه الصلاحيات القانونية التي يمنحها القانون للقاضي تُستخدم بشكل سلبي، وذلك بدلًا من حماية الفتيات، يتم استغلال هذه الثغرات لتزويجهن قسرًا، وأكد أن الحاجة الملحة هو إلغاء النصوص التي تسمح بزواج القاصرات، وسن قوانين تجرّم هذا الفعل وتعاقب أولياء الأمور المتورطين فيه.
يرى قناو أن التقاليد والعادات هي العائق الأكبر، حيث شدد على أن العادات والتقاليد في المجتمع الليبي تمثل عاملًا محوريًا في استمرار زواج القاصرات، واعتبر أن العادات أقوى من أي قانون أو جهود حقوقية، وقال “أن أولياء الأمور يفضلون تزويج بناتهم لتجنب القيل والقال، ولضمان أن تكون ابنتهم مثل بنات الجيران، بغض النظر عن العواقب النفسية والاجتماعية، هذا أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق بين الفتيات القاصرات بسبب عدم نضجهن لتحمل مسؤوليات الزواج”.
وأوضح أن أبرز الانتهاكات الحقوقية في زواج القاصرات هو انتهاك صارخ لحقوقهن حيث إن تزويج الفتيات القاصرات يُعد اعتداءً على طفولتهن، وحرمانًا لهن من عيش مراحل حياتهن الطبيعية، إذ تصبح الفتاة فجأة زوجة، وأمًا، ومسؤولة عن منزل، وهي ما زالت في مرحلة المراهقة، كما أنهن غالبًا ما يُحرمن من التعليم، لأن الزواج والحمل والمسؤوليات لا تسمح لهن بالاستمرار في الدراسة.
وأختتم المحامي الليبي حديثه بنداء للأهالي قائلًا: احتضنوا بناتكم، وامنحوهن فرصة إكمال تعليمهن وتحقيق أحلامهن العلمية والعملية. الزواج سيأتي في وقته، وما دامت الفتاة قوية وقادرة على الكسب، ستجد طريقها إلى حياة أفضل دون الحاجة للتضحية بطفولتها”.
أهلية التقاضي
توضح الناشطة الحقوقية جميلة بن عتيق أن زواج القاصرات في ليبيا لا يواجه أي تجريم قانوني، حيث يمنح قانون الأحوال الشخصية الليبي الحق لولي الأمر، بعد الحصول على إذن المحكمة، في تزويج القاصرين سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا.
وتضيف أن هذا القانون يمنح القاصر، بمجرد الزواج، أهلية قانونية للتقاضي في الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية، رغم أن القاصر لم يبلغ السن القانونية للأهلية، والتي حددها القانون بثمانية عشر عامًا، وترى أن هذا الوضع يخلق تمييزًا قانونيًا بين القاصر المتزوج وغير المتزوج، مما يعكس ازدواجية في المعاملة.
كما تشير إلى أن قانون الأحوال الشخصية لا يفرض أي عقوبة على أولياء الأمور الذين يزوجون قاصرات، لكنه يُلزم المأذون الشرعي بالتأكد من توفر إذن المحكمة والقاضي المختص قبل إبرام عقد الزواج. ومع ذلك، يستغل بعض أولياء الأمور هذه المرونة القانونية، باللجوء إلى محاكم بعيدة أو في مناطق نائية للحصول على موافقة قاضٍ لعقد الزواج، بعد أن يرفض قاضٍ آخر طلبهم.
على أرض الواقع، تقول بن عتيق إن الجهود الحكومية للتوعية بمخاطر زواج القاصرات تكاد تكون معدومة، حيث يقتصر الحديث عن أضرار هذا الزواج غالبًا على أطباء واستشاريي الأمراض النفسية الذين يناقشون الآثار السلبية الصحية والنفسية التي تصيب الزوجة القاصر.
في المقابل، تلعب الجمعيات والمؤسسات التطوعية، رغم قلة إمكانياتها، دورًا في توعية المجتمع من خلال محاضرات وورش تدريب تُبرز أضرار زواج القاصرات، إلى جانب جهود بعض المنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الطفل، إلا أن هذه الجهود لا تزال أقل من المأمول.
وتضيف أن الظروف التي شهدتها ليبيا في السنوات الأخيرة، من حروب ونزاعات أدت إلى نزوح العديد من العائلات، وفقدان العائل الرئيس، وتدهور الأوضاع الاقتصادية، ساهمت في زيادة نسبة زواج القاصرات، وتشير إلى أن القانون الليبي نفسه يُجيز زواج من هم دون السن القانونية، إذا توفرت شروط معينة نص عليها القانون رقم (14) لسنة 2015 بشأن الزواج والطلاق وآثارهما.
توضح بن عتيق أيضًا أن الأهلية القانونية تكتمل عند بلوغ الشخص، ذكرًا كان أو أنثى، سن الثامنة عشرة، وفقًا لقانون رقم (17) لسنة 1992 بشأن أحوال القاصرين، كما تشير إلى أن اتفاقية حقوق الطفل، التي صادقت عليها ليبيا عام 1993، تعرف الطفل بأنه كل من لم يبلغ سن الثامنة عشرة، وبالتالي فإن ليبيا ملزمة بتطبيق بنود الاتفاقية، إلا في الحالات التي تحفظت عليها.
تشيد بن عتيق بدور المجتمع المدني ومنظمات حقوق الطفل في التصدي لهذه الظاهرة، من خلال تنظيم ندوات حوارية وورش تدريبية تستهدف الأطراف المعنية بحقوق الطفل، مع التركيز على مصلحة الطفل الفضلى، وتشدد على أهمية دور الأخصائيين النفسيين والأطباء في توضيح الأضرار النفسية والصحية الناجمة عن زواج القاصرات. كما تؤكد على أهمية دور الإعلام كوسيلة رئيسية لتوعية المجتمع والمساهمة في الحد من انتشار هذا النوع من الزواج.
محاذير صحية ونفسية
تُبرز أخصائية النساء والولادة زهرة بشير المخاطر الصحية الخطيرة المترتبة على زواج القاصرات، مؤكدة أن الفتاة في هذه المرحلة العمرية غالبًا ما يكون جسمها غير مكتمل النمو، مما يجعلها غير جاهزة لتحمل الحمل والولادة، وتوضح قائلة: في كثير من الحالات، تكون الفتاة القاصر عرضة للولادة القيصرية، لأن جسدها غير مؤهل لتحمل الولادة الطبيعية، حتى إذا تمت الولادة طبيعيًا، فإن احتمالية حدوث تمزقات شديدة تكون مرتفعة للغاية، أضف إلى ذلك، ارتفاع أخطار الإصابة بضغط الدم والسكر، والنزيف الحاد أثناء الولادة.
تؤكد الطبيبة على الأثر النفسي لهذه الظاهرة حيث أضافت: الفتاة القاصر ليست مستعدة نفسيًا لاستقبال طفل أو تحمل مسؤولية إرضاعه والعناية به، كثير من الحالات التي أشرفت عليها كانت تعكس ملامح المفاجأة والارتباك لدى الأمهات الصغيرات، اللواتي ما زلن يعيشن طفولتهن ويفكرن في ألعابهن، هذه الفتاة تتحول فجأة إلى أم لطفل يحتاج إلى عناية فائقة، بينما هي تفتقر للمعرفة الأساسية حول التغذية والرعاية الصحية للرضيع، كل هذا يؤدي في النهاية إلى عواقب جسدية ونفسية، ويعرّض الطفل لمخاطر صحية متكررة مثل الأمراض ونزلات البرد نتيجة غياب الرعاية المناسبة.
وتابعت الطبيبة أن المسؤوليات لا تقتصر على العناية بالطفل، بل تمتد إلى الالتزامات الزوجية التي تضع عبئًا إضافيًا على الفتاة القاصر تقول: هذا النوع من الزواج يفتقر إلى مقومات الأسرة المتكافئة، مما يزيد احتمالية فشله على المدى البعيد.
وتنصح بشير بضرورة عدم إقحام الفتيات الصغيرات في الزواج المبكر، مشددة على أهمية منحهن فرصة للنمو الجسدي والنفسي، وتأجيل الزواج إلى أن يكتمل نضوجهن وتكون لديهن القدرة على تقبل فكرة الزواج وتكوين أسرة ناجحة.
آثار نفسية
من جانبها، توضح الطبيبة النفسية إيمان علي أن الزواج المبكر له تأثيرات نفسية عميقة على الفتيات القاصرات، خاصة اللواتي تتراوح أعمارهن بين 11 و18 عامًا، وقالت: هذه الفئة العمرية تمر بمرحلة انتقالية مهمة بين الطفولة والبلوغ وصولًا إلى الشباب، في هذه المرحلة تتشكل شخصية الإنسان على جميع المستويات الجسدية والعقلية والعاطفية، وبالتالي، من الضروري أن تكون بيئة هذه المرحلة مستقرة وسليمة حتى يمر الشخص خلالها بشكل صحي ومتوازن.
وأشارت إيمان إلى أن الزواج، بحد ذاته، مرحلة مصيرية في حياة الإنسان تحتاج إلى استعداد نفسي وبيئي وفسيولوجي. وتضيف “زواج القاصرات في هذه المرحلة هو مجازفة كبيرة. كثير من الفتيات القاصرات يدخلن الزواج دون إدراك كافٍ للمسؤوليات المترتبة عليه، ما قد يؤدي بهن إلى صدمات نفسية وضغوطات حادة نتيجة هذه المسؤوليات الكبيرة مقارنة بأعمارهن الصغيرة.
كما أكدت الطبيبة النفسية على أهمية التوعية للفتيات وأسرهن قبل الإقدام على الزواج المبكر، واعتبرت أن الوعي يجب أن يكون شاملًا، سواء للفتاة أو لعائلتها، وقالت يجب أن يتم عبر حملات توعية تُنظم في المدارس، ومن خلال أخصائيين نفسيين واجتماعات مع أولياء الأمور، إضافة إلى دور الإعلام بمختلف أنواعه في توضيح المخاطر والمشكلات المترتبة على زواج القاصرات، وأشارت في ختام حديثها أن الزواج المبكر يحتاج إلى دراسة متأنية وتروٍّ قبل اتخاذ القرار، لأن تأثيراته تمتد على حياة الفتاة والأسرة ككل، هو الحد من زواج القاصرات.
برامج توعوية لمواجهة زواج القاصرات: رؤية منظمة إحقاق
عفاف أبو دية رئيس الجمعية العمومية لمنظمة إحقاق لحقوق المرأة والطفل، قالت إن المنظمة تسعى من خلال برامج توعوية طويلة المدى إلى الحد من ظاهرة زواج القاصرات في ليبيا.
وأوضحت أن المنظمة تعمل على إقامة ندوات وورش تدريبية تهدف إلى تثقيف الفتيات وأسرهن بخطورة الزواج المبكر، باعتباره نوعًا من أنواع العنف الممارس على الفتيات اليافعات، ويتعارض مع التشريعات الوطنية واتفاقية حقوق الطفل.
وأشارت إلى أن مشروع “دافعي” الذي يركز على تمكين النساء من حقوقهن السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية، كان له دور بارز في نشر الوعي، فقد نظمت المنظمة ورش عمل ومحاضرات في مختلف المناطق والمدارس، لتعريف النساء بحقوقهن وتوعيتهن بالمخاطر المترتبة على زواج القاصرات.
كما استعرضت أبو دية مجموعة من العوامل التي تدفع الأسر إلى تزويج بناتهن القاصرات، أبرزها النزوح وانعدام الأمن، حيث تؤدي الحروب والنزاعات المسلحة إلى نزوح العائلات، مما يزيد من انعدام الأمن، خاصة في المناطق الريفية والفقيرة، حيث تصبح الأسر أكثر عرضة لتزويج بناتهن مبكرًا للتخلص من العبء أو بدافع الخوف عليهن من الاغتصاب.
واعتبرت أن الفقر والرغبة في تقليل الأعباء المالية، حيث ترى الأسر أن تزويج الفتاة القاصر يوفر مصاريف معيشتها، خاصة إذا كان الزوج ميسور الحال، بالإضافة إلى الخوف من “العنوسة” حيث تقدم الأسر على تزويج الفتاة لأول متقدم، بغض النظر عن عمرها، خوفًا من بقائها دون زواج، مؤكده أن الزواج المبكر للفتيات يفقدهن فرصهن في التعليم، ويؤدي إلى إنشاء أسر غير واعية بأصول التربية السليمة، النتيجة غالبًا علاقات زوجية فاشلة، تتسبب في تفاقم العنف الأسري.
وأشارت أبو دية إلى المخاطر الصحية الكبيرة التي تواجه القاصرات عند الزواج، حيث إن أجسادهن غالبًا ما تكون غير مكتملة النمو، مصيفة أن الفتيات في هذه المرحلة العمرية معرضات للإجهاد الشديد أثناء الحمل، الذي قد يؤدي إلى الوفاة أو الإصابة بأمراض خطيرة. أضف إلى ذلك المشاكل النفسية، نتيجة لعدم استعدادهن لتحمل مسؤوليات الزواج والإنجاب.
كما ترى أن تغيير ثقافة المجتمع حول زواج القاصرات يتطلب إطلاق برامج توعوية شاملة، مشددة على أهمية الإعلام كأداة رئيسة للتغيير.
وأشارت أن منظمتها تعمل على إعداد برامج توعوية بالتعاون مع الأطباء والمختصين في مجالات طب النساء والطب النفسي، لتوضيح أضرار الزواج المبكر، الهدف ليس المساس بالعادات والتقاليد الإيجابية، وإنما التخلص من العادات السلبية التي تعيق نمو المجتمع وتكوين الأسرة السليمة.
وأشارت إلى أن الحكومة لم تقدم أي جهود ملموسة لمواجهة هذه الظاهرة، بل على العكس ساهمت في تفاقمها، وتستشهد بتعديل المادة السادسة من قانون رقم 10 لسنة 1984 بموجب القانون رقم 14 لسنة 2015، الذي حدد سن الزواج بـ18 عامًا، لكنه سمح بتزويج القاصرات دون هذا السن، بشرط موافقة ولي الأمر والقاضي المختص.
وقالت “هذه التعديلات القانونية فتحت الباب أمام تزويج القاصرات، خاصة بعد قرار منحة الزواج الذي دفع بعض الأسر لتزوير أعمار بناتهن لتزويجهن والحصول على المنحة، هذه القوانين تخالف الاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها ليبيا”.
وأوصت بعدة خطوات لمواجهة زواج القاصرات، منها تقييد سلطات القاضي، وضع شرط إضافي يتطلب استشارة خبراء صحيين ونفسيين قبل منح الإذن بزواج القاصر، بالإضافة إلى إلغاء النصوص القانونية المخالفة والعمل على حظر زواج من تقل أعمارهن عن 16 عامًا بشكل كامل، مع تعزيز التوعية المجتمعية وتنظيم دورات تدريبية وورش توعوية في المدارس ووسائل الإعلام، لإيصال الرسائل اللازمة للأسر والمجتمع.
رأي حكومي
تؤكد وزير الدولة لشؤون المرأة في الحكومة الليبية انتصار عبود أن زواج القاصرات يمثل قضية حساسة تنعكس سلبًا على الفتيات وعلى المجتمع بأسره.
وترى عبود أن هذا النوع من الزواج يشكل عائقًا أمام حقوق الفتيات في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والنمو الشخصي. وتدعو الوزارة الأسر إلى الامتناع عن تزويج بناتهن في سن مبكرة، مشددة على أن ذلك يؤدي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والصحية. كما تحث على أهمية نشر الوعي بحقوق الفتيات، وضمان توفير الدعم اللازم لهن لتحقيق طموحاتهن في مجالي التعليم والعمل، بما يساهم في بناء مجتمع أكثر تطورًا واستقرارًا.
إحصائيات متفرقة
رغم غياب الإحصائيات الرسمية الموثقة على مستوى ليبيا، تشير تقارير سابقة إلى تسجيل بعض الحالات في مدن رئيسة، حيث سجلت في العاصمة طرابلس، 186 حالة زواج قاصر بين عامي 2011 و2017، أما في مدينة بنغازي ثاني أكبر المدن الليبية، سجلت المحاكم 26 حالة زواج قاصر في عامي 2019 و2020.
أما في عام 2020 وحده، سجلت مصادر محلية ارتفاعًا طفيفًا في بنغازي إلى 15 حالة زواج قاصر، تؤكد هذه الأرقام محدودية الرصد، لكنها تعكس انتشار الظاهرة بشكل يفرض اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهتها.
تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR